كيف يتغير الشريك خلال الحمل من دون أن يتكلّم؟ تمر العلاقة بين الزوجين خلال الحمل بتحوّلات كبيرة، وتكمن إحدى أبرز القضايا في في تغيّر الشريك خلال هذه المرحلة من دون أن يُفصِح عن مشاعره أو يعبّر عنها. لا تتعلق هذه التغيرات فقط بالمرأة، بل يتأثر الرجل أيضًا نفسيًا، وجسديًا، واجتماعيًا. رغم ذلك، يبقى صامتًا في أغلب الأحيان، وتظهر أمور تتغيّر في زوجك خلال حملك لا يمكن تفسيرها. فما الأسباب؟ وكيف يمكن فهم هذا الصمت؟ هذا ما نكشفه في هذا المقال.
نبدأ أولًا بتحديد أبرز المحاور التي سنعالجها: سنتناول التغيّرات النفسية والبيولوجية التي تحدث عند الشريك، وسنوضح الأسباب التي تجعله لا يُعبّر عن مشاعره بوضوح. بعد ذلك، نسلّط الضوء على دور المرأة في دعم هذا التحوّل، ونختم بتقديم بعض النصائح العملية للتعامل مع هذه المرحلة.
1- التغيّرات النفسية العميقة التي يمر بها الشريك
في بداية الحمل، لا تقتصر المشاعر المتقلّبة على المرأة فقط. بل إنّ فهم كيف يتغير الشريك خلال الحمل نفسيًا هو موضوع يستحق الاهتمام.

غالبًا ما يشعر الرجل بقلق داخلي كبير، لكنه لا يملك الأدوات للتعبير عنه بطريقة واضحة.
التحليل العلمي
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Affective Disorders عام 2015 أن الشركاء الذكور معرضون للشعور بالقلق والاكتئاب خلال الحمل بنسبة قد تصل إلى 10٪. يتعلّق هذا التوتر بشعوره بالمسؤولية المقبلة، والخوف من الفشل، أو من التغيّرات التي قد تطال علاقته بالشريكة. كما يختبر صراعات داخلية تتعلق بالهوية الذكورية والتوقعات الاجتماعية.
أمثلة واقعية
في كثير من الحالات، يتعامل الرجل مع هذه الضغوط من خلال الانسحاب، أو العمل المفرط، أو الصمت، عوضًا عن الحوار المفتوح.
2- التأثيرات الهرمونية التي يتعرّض لها الشريك
قد يبدو مفاجئًا للبعض أن الهرمونات تؤدّي دورًا أيضًا في تغيّر الشريك خلال الحمل.
الهرمونات ليست حكرًا على الحامل. الرجل أيضًا يتأثر على مستوى بيولوجي.
التحليل العلمي
أشارت دراسة من جامعة University of Michigan إلى أن مستويات هرمون التستوستيرون تنخفض بشكل ملحوظ عند الرجال الذين ينتظرون مولودًا. كما تنخفض مستويات الكورتيزول وتزداد نسبة البرولاكتين، وهو هرمون يرتبط بالسلوك الأبوي. هذه التغيرات تؤثر على سلوك الرجل، فتجده أكثر حساسية وأقل ميلًا للعدوانية.
نتيجة التغيرات
هذا التغير قد يُشعره بضعف داخلي أو بفقدان السيطرة على ذاته، فيُفضّل الانعزال بدلًا من البوح.
3- الصمت كآلية دفاعية عند الرجل
هنا نصل إلى السؤال الجوهري: لماذا لا يتحدث الرجل عن مشاعره رغم كل هذه التحوّلات؟ غالبًا ما يُنظر إلى صمت الرجل على أنه لا مبالاة، لكن الواقع أكثر تعقيدًا.

أسباب الصمت
يعود السبب إلى عدّة عوامل:
- الثقافة الذكورية: الرجل تربى على فكرة أن التعبير عن الضعف مرفوض.
- الخوف من الإزعاج: يخشى أن يُثقل على شريكته الحامل بمشاكله.
- نقص المفردات العاطفية: لا يعرف كيف يشرح ما يشعر به بدقة.
تأثير الصمت
يؤدي هذا الصمت إلى فجوة عاطفية متزايدة، ويجعل المرأة تشعر بالوحدة، في وقت تحتاج فيه إلى الدعم الكامل.
4- دور الزوجة في دعم هذا التحوّل
لا يمكن تغيير هذا الواقع دون وعي وتفهّم من الطرف الآخر، وتحديدًا الزوجة. دعم المرأة لشريكها لا يقل أهمية عن دعمه لها.
كيف تدعمه؟
- خلق مساحة آمنة: عندما يشعر الرجل بالأمان العاطفي، يتكلم.
- عدم التقليل من مشاعره: على الزوجة أن تعترف بتعبه كما تعترف بتعبها.
- التواصل الهادئ: فتح النقاش بعبارات بسيطة مثل: “كيف تشعر؟” قد يفتح المجال للحوار.
نتائج الدعم
عندما يشعر الشريك بأنه مسموع ومفهوم، يصبح أكثر قدرةً على التعبير والانخراط الفعلي في رحلة الحمل.
5- أهمية استشارة المختصّين
أحيانًا لا يكفي الحوار العائلي، ويُفضَّل طلب المساعدة المهنية. فلا يجب تجاهل الصحة النفسية في هذه المرحلة الحساسة.

متى نلجأ للمختص؟
- عندما يظهر على الشريك علامات الاكتئاب أو الانهيار العصبي.
- في حال استمرار الصمت والانسحاب لأشهر.
- إذا ظهرت مشاكل زوجية متكررة ناتجة عن غياب التواصل.
فوائد الدعم النفسي
يوفر المختص مساحة محايدة للتعبير، ويساعد على فهم أعمق لكيفية تفاعل الشريكين مع الضغوط العائلية المقبلة.
تتعدد أوجه الإجابة عن سؤال: كيف يتغير الشريك خلال الحمل؟. وتشمل الجانب النفسي، والبيولوجي، والسلوكي. ورغم أن الكثير من الرجال يفضلون الصمت، إلا أن فهم هذا الصمت بعمق يفتح أبوابًا واسعة للتقارب العاطفي، والتفاهم الحقيقي. الحمل ليس مهمة أنثوية فقط، بل هو تجربة ثنائية تحتاج إلى تعاون مشترك، ومراعاة متبادلة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أوضاع جنسيّة مناسبة خلال الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن المجتمع بحاجة إلى إعادة تشكيل نظرته للرجل خلال الحمل. لا يجب حصر العناية النفسية والجسدية بالمرأة فقط، بل من الضروري توسيع المفهوم ليشمل الأب المنتظر أيضًا. عندما نمنح الشريك مساحة آمنة ليشعر ويعبّر، نخلق بيئة أسرية أكثر توازنًا، يبدأ فيها الطفل حياته في مناخ من الدعم الحقيقي والتفاهم العميق بين والديه.