تُعَدّ قلة النشاط عند الأطفال من المؤشرات التي لا يجب تجاهلها أبدًا. فالطفل النشيط بطبيعته يحب اللعب والحركة والاكتشاف. لكن عندما يقلّ حماسه ويصبح أكثر ميلًا للجلوس أو الانعزال، قد يكون ذلك إنذارًا مبكرًا لوجود خلل صحي أو نفسي. النشاط الحركي ليس ترفًا. بل هو ضرورة أساسية لتطور الدماغ والجسم بشكل سليم.
في هذا المقال، سنبحث معًا في الأسباب العلمية التي قد تقف خلف هذه الظاهرة، وسنشرح العلامات التي تساعدكِ على التمييز بين قلة النشاط العابر والمزمن. إضافةً إلى أهم الفحوصات التي قد يطلبها الطبيب، ونقدّم نصائح عملية لمساعدتكِ في إعادة النشاط والحيوية لطفلكِ بطريقة آمنة ومدروسة.
الأسباب الجسدية وراء قلة النشاط
من المهم فهم أن الجسم قد يرسل إشارات مبكرة عبر انخفاض مستوى الطاقة. أحد أبرز الأسباب الجسدية هو فقر الدم الناتج عن نقص الحديد. وفقًا لدراسات في American Journal of Clinical Nutrition، يؤثر نقص الحديد على إنتاج الهيموغلوبين. ما يقلل وصول الأكسجين إلى العضلات والدماغ، وبالتالي يشعر الطفل بالإرهاق المستمر.

كما يمكن أن تكون اضطرابات الغدة الدرقية سببًا خفيًا. يقلّل انخفاض نشاط الغدة معدل الأيض، فيؤدي إلى بطء الحركة والشعور بالخمول. أيضًا، المعاناة أمراض القلب أو مشاكل التنفس، مثل الربو غير المشخّص، تحدّ من قدرة الطفل على بذل الجهد، فيفضّل الجلوس أو اللعب بهدوء.
إضافةً إلى ذلك، هناك مشاكل الجهاز العضلي أو المفصلي، مثل التهاب المفاصل اليفعي، التي تجعل الحركة مؤلمة فيتجنّبها الطفل. لذلك، لا بدّ من متابعة العوارض الجسدية الأخرى مثل شحوب الوجه أو ضيق التنفس أو آلام المفاصل.
الأسباب النفسية والسلوكية
إلى جانب العوامل الجسدية، يمكن أن تعود قلة النشاط عند الأطفال إلى أسباب نفسية أو عاطفية. الاكتئاب الطفولي، رغم أنه أقل شيوعًا من البالغين، قد يظهر في صورة فقدان الرغبة في اللعب أو المشاركة الاجتماعية. كما أن القلق المستمر، خاصّةً الناتج عن ضغوط مدرسية أو أسرية، قد يجعل الطفل يميل إلى العزلة والخمول.
أيضًا، قد يؤثّر التعرض للتنمّر في المدرسة أو البيئة المحيطة على رغبة الطفل في الانخراط بالنشاطات. تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من ضغوط نفسية متكررة يفرزون مستويات أعلى من هرمون الكورتيزول. ما يضعف الطاقة الجسدية والعقلية.
لهذا، من المهم أن يتحدث الأهل مع الطفل بصراحة، ويلاحظوا التغيرات المزاجية والسلوكية التي قد تفسّر انخفاض نشاطه.
كيف تميّزين بين التعب العابر والمشكلة المزمنة؟
كثيرًا ما يصاب الأطفال بالتعب المؤقت نتيجة السهر، أو نشاط بدني مكثّف في اليوم السابق، أو حتى تغيرات الطقس. لكنّ الفارق الأساسي يكمن في مدة استمرار العوارض. يزول التعب العابر بعد الحصول الراحة أو النوم الجيد، بينما قلة النشاط المزمنة تستمر لأيام أو أسابيع من دون تحسن ملحوظ.

كما أن المشكلة المزمنة غالبًا ما ترافقها أعراض أخرى مثل فقدان الشهية، وفقدان الوزن، وتغيّر لون البشرة، أو ضعف التركيز الدراسي. هنا، يصبح من الضروري طلب تقييم طبي شامل، وعدم الاكتفاء بالانتظار.
الفحوصات الطبية الضرورية
عندما يلاحظ الأهل استمرار قلة النشاط عند الأطفال، يُنصَح بمراجعة طبيب الأطفال لإجراء فحوصات دقيقة. عادةً، يبدأ الطبيب بفحص الدم لقياس نسبة الهيموغلوبين ومستوى الحديد. ثم تحليل وظائف الغدة الدرقية، وفحص مستوى الفيتامين D الذي يؤدّي دورًا في صحة العضلات والمناعة.
قد يطلب الطبيب أيضًا تخطيط قلب أو تصوير بالأشعة إذا اشتبه بوجود مشكلة قلبية أو تنفسية. أمّا إذا ظهرت علامات اضطراب نفسي، فقد يُحال الطفل إلى مختصّ نفسي لإجراء تقييم شامل يشمل المقابلات والاختبارات السلوكية.
يُساعد اتّباع هذه الخطوات على تحديد السبب بدقة، وتجنّب العلاج العشوائي أو إهمال الحال حتى تتفاقم.
خطوات عملية لإعادة النشاط إلى الطفل
بعد تحديد السبب، يبدأ العمل على خطة لاستعادة الطاقة. إذا كان السبب غذائيًا، يمكن تعديل النظام الغذائي بإضافة أطعمة غنية بالحديد مثل اللحوم الحمراء، والعدس، والسبانخ. إلى جانب مصادر فيتامين C لتحسين امتصاص الحديد.

أما في حال كان السبب نفسيًا، فيُنصح بإشراك الطفل في أنشطة جماعية ممتعة، وتخصيص وقت يومي للعب الحر في الهواء الطلق، وتقليل وقت الشاشات إلى الحدّ الأدنى.
كما أن النوم الكافي يُعَدّ عنصرًا أساسيًا. توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأن يحصل الأطفال في سن المدرسة على 9–12 ساعة نوم يوميًا. وأخيرًا، من المهم أن يرى الطفل قدوة نشيطة في والديه، فالأهل النشيطون يُحفّزون أبناءهم على الحركة تلقائيًا.
الخلاصة
في النهاية، إن قلة النشاط عند الأطفال ليست عرضًا يمكن تجاهله أو عزله عن السياق الصحي العام. فهي قد تكشف عن مشاكل في التغذية، وأمراض مزمنة، أو اضطرابات نفسية تحتاج إلى تدخل مبكر. المراقبة المستمرة، والحوار الصريح مع الطفل، والمتابعة الطبية المنتظمة، هي مفاتيح الوقاية والحل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن علامات خفيّة تكشف توتّر طفلكِ العميق.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الأهل عليهم أن يتعاملوا مع أي تغيّر في نشاط طفلهم كإشارة تستحق البحث وليس كأمر عابر. فالاستجابة المبكرة قد تمنع تفاقم المشكلة، وتحمي الطفل من تبعات طويلة الأمد. وأنصح كل أم بأن تكون مرنة في التعامل، تجمع بين الفحص الطبي والدعم العاطفي، لأن الطفل يحتاج لمن يفهمه بقدر ما يحتاج لمن يعالجه.