تشكّل فوائد حمض الفوليك قبل الحمل عنصرًا أساسيًا لكل امرأة تخطّط للأمومة، فهو أحد أهم الفيتامينات التي تؤثر مباشرة على صحة الجنين منذ لحظة الإخصاب. هذا الفيتامين، المعروف أيضًا بفيتامين B9، يعمل على بناء الخلايا وتجديدها، وهو ضروري لتكوين الأنبوب العصبي عند الجنين في الأسابيع الأولى من الحمل، وهي مرحلة غالبًا ما لا تعرف المرأة أنها حامل خلالها. لذلك، ينصح الأطباء النساء بالبدء بتناوله قبل الحمل بفترة كافية لضمان وقاية شاملة من التشوّهات الخلقية.
في هذا المقال، سنقدّم لكِ شرحًا علميًا شاملًا عن أهمية حمض الفوليك قبل الحمل، بدءًا من دوره الحيوي في نمو الجنين، وصولًا إلى الكمية الموصى بها وأهم مصادره الغذائية. سنتطرّق أيضًا إلى فوائده للأم، والعواقب المحتملة في حال نقصه، لنمنحكِ دليلًا عمليًا متكاملًا يمكنكِ الاعتماد عليه عند التخطيط لحمل صحي وآمن.
دور حمض الفوليك في تكوين الأنبوب العصبي
يُعَدّ تكوين الأنبوب العصبي من أهم المراحل في نمو الجنين، إذ يتحوّل لاحقًا إلى الدماغ والحبل الشوكي. يبدأ هذا التكوين في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحمل، أي قبل أن تدرك معظم النساء أنهن حوامل.

لذلك، فإن تناول حمض الفوليك قبل الحمل يساهم في تقليل خطر إصابة الجنين بتشوّهات الأنبوب العصبي مثل السنسنة المشقوقة (Spina Bifida) وانعدام الدماغ (Anencephaly) بنسبة تصل إلى 70%. وذلك وفق دراسات منظّمة صادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض (CDC). إن هذه النسبة تجعل الالتزام بتناول الفوليك قرارًا مصيريًا لحماية صحة الطفل المستقبلية.
حماية الحمض النووي وتجديد الخلايا
يؤدّي تناول حمض الفوليك دورًا أساسيًا في إنتاج الحمض النووي (DNA) وانقسام الخلايا السليم، وهو ما يضمن نمو أنسجة الجنين بشكل طبيعي وسريع. بدون كمية كافية من هذا الفيتامين، قد تتباطأ عملية انقسام الخلايا، ما يؤثر سلبًا على أعضاء الجنين. كما أنّ الفوليك مهم للأم نفسها، إذ يدعم تجديد خلايا الدم الحمراء ويقلّل من خطر فقر الدم خلال الحمل. هذه الحماية المزدوجة تجعل فوائد حمض الفوليك قبل الحمل أكثر من مجرّد وقاية. بل وسيلة لتعزيز صحة الجسم ككل.
تقوية الجهاز العصبي والمناعة
تشير الأبحاث الحديثة إلى أنّ الفوليك يساهم في تحسين وظائف الجهاز العصبي، سواء للأم أو الجنين. فهو يعزّز إنتاج النواقل العصبية التي تنظم المزاج والنوم، ما يقلّل من احتمالية الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل. إضافةً إلى ذلك، يقوّي الجهاز المناعي ويجعل الجسم أكثر مقاومة للعدوى التي قد تضر الجنين. هذه التأثيرات الوقائية تمنح المرأة راحة نفسية خلال مرحلة التخطيط للحمل، لأنّها تعلم أنّ جسدها مهيّأ لحمل صحي.
تقليل خطر الإجهاض والمضاعفات
تشير تقارير طبية موثوقة إلى أنّ نقص حمض الفوليك قد يرتبط بزيادة خطر الإجهاض أو الولادة المبكرة.

إنّ الحصول على ما يكفي من هذا الفيتامين قبل الحمل يساعد في استقرار بطانة الرحم وتثبيت البويضة المخصّبة بشكل أفضل. كما يقلّل من خطر تسمم الحمل الذي يهدّد حياة الأم والجنين معًا. وبفضل هذه التأثيرات، ينصح الأطباء النساء اللواتي مررن بتجارب إجهاض سابقة بالالتزام الصارم بمكملات الفوليك قبل محاولة الحمل مجددًا.
الكمية الموصى بها ومصادرها
الجرعة المثالية لمعظم النساء قبل الحمل هي 400 ميكروغرام يوميًا، وقد يوصي الطبيب بجرعات أعلى في حالات معيّنة مثل وجود تاريخ عائلي لتشوّهات الأنبوب العصبي. يمكن الحصول على هذه الكمية من المكملات الغذائية، لكن يفضّل أيضًا دمج مصادر طبيعية مثل السبانخ، والعدس، والأفوكادو، والحمص، والبروكلي. إن تناول الفوليك بشكل متوازن يضمن استقرار مستوياته في الدم ويمنع النقص المفاجئ خلال الأسابيع الأولى من الحمل.
متى يجب البدء بتناوله؟
يُنصح بالبدء بتناول حمض الفوليك قبل الحمل بثلاثة أشهر على الأقل، إذ يحتاج الجسم إلى وقت لبناء مخزون كافٍ منه. هذا التحضير المسبق يمنح الجسم الفرصة ليكون جاهزًا فور حدوث الحمل، وبالتالي حماية الجنين من أول لحظة. هذه الخطوة الاستباقية توفّر للمرأة شعورًا بالطمأنينة وتقلّل القلق الذي قد يصاحب التخطيط للحمل.
عواقب إهمال تناوله
إنّ إهمال الحصول على كميات كافية من الفوليك قبل الحمل قد يعرّض الجنين لمخاطر كبيرة مثل تشوّهات العمود الفقري أو ضعف نمو الدماغ. كما يمكن أن يؤدي إلى فقر دم شديد للأم يسبّب التعب المزمن والدوخة. لذلك، يعدّ الالتزام بمكملات الفوليك جزءًا أساسيًا من روتين العناية بصحتكِ قبل الحمل، تمامًا مثل المتابعة الدورية مع الطبيب.

من الواضح أنّ فوائد حمض الفوليك قبل الحمل تمتدّ إلى ما هو أبعد من الوقاية من التشوّهات الخلقية، فهي تشمل تعزيز صحة الأم، وتقوية المناعة، ودعم تكوين الحمض النووي، وحتى تقليل خطر الإجهاض والمضاعفات. إن البدء بتناوله قبل الحمل بفترة كافية يمنحكِ أفضل فرصة لحمل صحي وطفل سليم. ومنم الجدير بالذكر أنّنا سبق وأجبناكِ على سؤال: متى يظهر الحمل بالدم؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ جعل مكملات حمض الفوليك جزءًا من روتين الاستعداد للحمل ليس خيارًا بل ضرورة لكل امرأة تخطّط للأمومة. هذا القرار البسيط يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في صحة الجنين ويقلّل من القلق المتعلق بمخاطر الحمل، ويعطي الأم راحة نفسية وشعورًا بالسيطرة على صحتها وصحة طفلها المستقبلي.