تُعَدّ المعاناة من غثيان الحمل وغثيان الدوره من العوارض الشائعة التي تمرّ بها النساء في مراحل مختلفة من حياتهنّ الإنجابية. قد يظهر الغثيان في بداية الحمل نتيجة التغيّرات الهرمونية المفاجئة، أو يرافق فترة ما قبل الحيض بسبب اضطراب مستوى الهرمونات. ورغم أنّ الكثيرات يتجاهلن هذه العلامات باعتبارها طبيعية، إلّا أنّها تحمل دلالات مهمّة أحياناً تحتاج إلى انتباه وفهم أعمق.
في هذا المقال سوف نتناول الفرق بين غثيان الحمل وغثيان الدورة، ونشرح أسبابهما، والعوامل العلمية التي تؤثر فيهما، إضافةً إلى متى يجب استشارة الطبيب. كما سنعرض طرقًا علمية للتخفيف من هذه العوارض، لنقدّم لكِ دليلًا شاملًا يساعدك على التمييز بينهما وفهم جسدك بشكل أفضل.
الفروقات الجوهرية بين غثيان الحمل وغثيان الدورة
من المهم أن تفهمي الفروقات الدقيقة. يبدأ غثيان الحمل غالبًا في الصباح ويُسمّى “غثيان الصباح”، لكنه قد يستمر طوال اليوم. يحدث عادة بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الإخصاب. أما غثيان الدورة فيظهر قبل أيام قليلة من نزول الطمث ويزول عند بدايته.

كما أن غثيان الحمل يرتبط بارتفاع هرمون hCG والبروجسترون، بينما يرتبط غثيان الدورة بمتلازمة ما قبل الطمث وتغيّر مستوى الإستروجين والبروجسترون. هذا الفرق الزمني والهرموني يساهم في تحديد السبب.
الأسباب العلمية وراء الغثيان
لفهم غثيان الحمل وغثيان الدورة يجب العودة إلى الهرمونات. في الحمل، إنّ ارتفاع هرمون hCG مع بداية انغراس الجنين في الرحم يؤدي إلى تحفيز مركز الغثيان في الدماغ. تؤكّد الدراسات الحديثة من Mayo Clinic و NIH أن هذه الاستجابة طبيعية وتشير إلى تثبيت الحمل.
أما في الدورة الشهرية، فالغثيان يرتبط بتقلّبات الإستروجين والبروجسترون التي تؤثر في الجهاز الهضمي. يؤدّي انخفاض هذه الهرمونات إلى بطء حركة المعدة، ما يسبب شعورًا بالغثيان والامتلاء. لهذا السبب، يظهر العرض عند بعض النساء من دون أن يدلّ على المعاناة من مرض خطير.
العلامات المرافقة لغثيان الحمل
لا يأتي غثيان الحمل وحيدًا. قد يترافق مع غياب الدورة الشهرية، وزيادة التبوّل، وتورّم الثديين، والشعور بالتعب الشديد. كما تشعر بعض النساء بحساسية قوية تجاه الروائح. هذه العلامات تساعد في تمييزه عن غثيان الدورة.
أيضًا، قد يتحوّل الغثيان المستمر مع القيء المفرط إلى حال تُسمّى Hyperemesis Gravidarum، وهي حال تحتاج إلى متابعة طبية فوريّة بسبب خطر الجفاف ونقص الوزن.
العلامات المرافقة لغثيان الدورة
على النقيض، غالبًا ما يترافق غثيان الدورة مع صداع، وتقلصات رحمية، وتقلبات مزاجية، وانتفاخ البطن. أيضًا، قد تشعرين بالرغبة في تناول أطعمة معيّنة أو بفقدان الشهية. لكن هذه العوارض تبدأ بالتحسّن بمجرد نزول الطمث.

وجود هذه المجموعة من العلامات معًا يساعدك على إدراك أن الغثيان مرتبط بمرحلة ما قبل الدورة وليس بالحمل.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
مع أن غثيان الحمل وغثيان الدورة طبيعيان في معظم الحالات، إلا أن هناك علامات تستدعي القلق. إذا كان الغثيان شديدًا ويمنعك من تناول الطعام أو الشراب، وإذا ترافق مع فقدان وزن سريع، أو دوار شديد، فمن الضروري استشارة الطبيب.
كذلك، إذا لاحظتِ أن الغثيان يستمر لفترات طويلة خارج إطار الحمل أو الدورة، فهذا قد يشير إلى وجود مشاكل في الجهاز الهضمي مثل القرحة أو الارتجاع المريئي. هنا، الاستشارة الطبية تصبح واجبة لتشخيص السبب الحقيقي.
استراتيجيات تخفيف غثيان الحمل
للتخفيف من غثيان الحمل، ينصح الخبراء بتناول وجبات صغيرة ومتكررة، والابتعاد عن تناول الأطعمة الدسمة. أيضًا، شرب الزنجبيل أو إضافة شرائح منه إلى الماء قد يساعد في التخفيف. أثبتت الدراسات التي نشرتها American Journal of Obstetrics and Gynecology فعالية الزنجبيل بنسبة واضحة.
كما أن شرب كميات كافية من الماء والراحة الجيدة يقللان من حدة الغثيان. يصف بعض الأطباء مكملات فيتامين B6 أو أدوية مضادة للغثيان عند الحاجة.
استراتيجيات تخفيف غثيان الدورة
أما غثيان الدورة فيخفّ عادة مع تناول مسكّنات بسيطة مثل الإيبوبروفين لتخفيف التقلصات. أيضًا، إنّ ممارسة الرياضة الخفيفة مثل المشي تساعد على تحسين الدورة الدموية وتقليل العوارض.

شرب شاي الأعشاب مثل النعناع أو البابونج مفيد لأنه يهدّئ المعدة. كذلك، الابتعاد عن الكافيين والأطعمة المالحة يساعد في تقليل الشعور بالغثيان خلال هذه الفترة.
الأثر النفسي والاجتماعي
لا يمكن إغفال الجانب النفسي. غثيان الحمل وغثيان الدورة يسببان الشعور بالتوتّر والقلق عند المرأة، خصوصًا عندما لا تعرف مصدره بدقة. يؤدّي الدعم من الشريك أو العائلة دورًا كبيرًا في تخفيف العبء النفسي.
أيضًا، التثقيف الصحي حول هذه العوارض مهم لأنه يقلل من الخوف ويمنح المرأة شعورًا بالسيطرة على جسدها.
من خلال هذا المقال، نرى أن غثيان الحمل وغثيان الدورة يشتركان في بعض الصفات لكنهما يختلفان في الأسباب، والعلامات، والفترة الزمنية. الفهم العلمي لهذه الفروقات يمنحك القدرة على التعامل مع العوارض بثقة. كما أن الالتزام بالنصائح العملية ومراجعة الطبيب عند الحاجة يحمي صحتك ويعزز راحتك. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ ما هو الوحام؟ ولماذا تختلف عوارضه من امرأة لأخرى؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الوعي الجسدي هو السلاح الأقوى للمرأة. عندما تدركين التغيّرات الطبيعية وتفرّقين بين العوارض، تتمكنين من العناية بنفسك بشكل أفضل. وأعتقد أن كل امرأة يجب أن تمنح صحتها الأولوية وأن تستمع إلى إشارات جسدها بجدية، لأن الوقاية تبدأ من الملاحظة الواعية.