منذ اللحظات الأولى لولادتهما، خاضت الطفلتان الإريتريتان “أسماء” و”سمية” رحلةً صحية استثنائية. ولدت الطفلتان ملتصقتين عند الرأس، ما وضع مستقبلهما بين أيدي القدر والعلم. في مشهد إنساني نادر، استطاعت المملكة العربية السعودية أن تصنع المستحيل، وتقدّم مثالًا حيًا على التقدّم الطبّي والرحمة في آنٍ واحد.
ما جرى لم يكن مجرّد عملية جراحية، بل كان انتصارًا عالميًا للطب والإنسانية. على مدى 15 ساعة ونصف، تحرّك الفريق الطبي المختصّ في مستشفى الملك عبدالله التخصّصي للأطفال بالرياض بخطى ثابتة. وذلك تحت إشراف مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. بذلك، أُضيف هذا الإنجاز إلى سجل البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية، بوصفه العملية رقم 64 التي تكلّلت بالنجاح.
١- التحضير لجراحة تُغيّر الحياة
بدأت الاستعدادات للجراحة قبل أشهر، إذ وضع فريق جراحة التجميل للأطفال موسعات جلدية تدريجيًا داخل رؤوس الطفلتين. هذا الإجراء ساعد في توسيع الجلد، ليغطّي منطقة الرأس بعد الانفصال. لم يكن هذا التحضير تقنيًا فحسب، بل عاطفيًا أيضًا. إذ رافقت عائلة الطفلتين كل خطوة بأمل ودموع وصلاة.
٢- التقنيات المتطوّرة تصنع الفرق
استخدم الأطباء خلال العملية أدوات دقيقة مثل المجهر الجراحي وتقنيات الملاحة العصبية. هذه التكنولوجيا سمحت للفريق الجراحي بأن يتحرّك بدقّة، وأن يتفادى أي خطأ خلال فصل الأنسجة العصبية والأوعية الدموية المشتركة. كما خضعت الطفلتان لثلاثة تدخلات إشعاعية لوقف عمل الشرايين والأوردة المشتركة قبل الجراحة الكبرى.
٣- فريق متكامل يعمل كجسد واحد
ضمّ الفريق الطبي 36 مختصًا واستشاريًا من تخصّصات متعددة، من جراحة الأعصاب إلى التخدير والعناية المركّزة والتأهيل الطبي. لم يتحرّك الفريق بشكل عشوائي، بل بخطط متتابعة، عبر مراحل دقيقة ومتلاحقة، ضمِنت أقصى درجات الأمان والدقة في الفصل بين الطفلتين.
٤- امتنان عميق يعكس الأثر الإنساني
عبّرت عائلة الطفلتين عن امتنانها العميق للقيادة السعودية والفريق الطبي. وأكّدت في تصريحاتها أنّ ما لاقوه من رعاية، وكرم، وحسن ضيافة فاق التوقعات. لم تُنقَذ أسماء وسمية فحسب، بل تجسّد فيهما وجه السعودية الإنساني الذي يتخطّى الحدود والجنسيّات.
٥- برنامج إنساني يتّسع للعالم
أشار الدكتور عبدالله الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة ورئيس الفريق الجراحي، إلى أنّ البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية درس حتى اليوم 149 حال من 27 دولة خلال 35 عامًا. بهذا، تكرّس المملكة مكانتها العالمية في مجال الطب الإنساني، وتفتح آفاقًا جديدة في علاج الحالات النادرة والمعقّدة.
لم تكن قصة أسماء وسمية حالًا طبية عابرة، بل صفحة مشرقة في كتاب الإنسانية الحديث. من رحم المعاناة وُلدت حياة جديدة، ومن رحم الجراح بزغ أمل لأهل التوأم ولكل من تابع هذه الحكاية. المملكة العربية السعودية لم تُنجِ فقط جسدين صغيرين من معركة الحياة، بل بعثت برسالة إلى العالم: هنا، حيث يجتمع الطب بالرحمة، تولد المعجزات. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أنواع التوائم المختلفة.