لا تُعَدّ المعاناة من مشاكل الهضم الشائعة عند الأطفال أمرًا يمكن تجاهله، فهي من أكثر المشاكل التي تؤثّر على راحة الصغار وصحّتهم اليوميّة. تبدأ هذه الاضطرابات عادةً بمغص أو إمساك أو أنواع من الإسهال، لكنّها قد تتطور إذا لم تُعالَج لتؤثّر على الشهية، والنوم، وحتى النمو الجسدي والعقلي. تشير الأبحاث الطبية إلى أن الجهاز الهضمي لدى الطفل في سنواته الأولى يكون أكثر حساسية. ما يجعله عرضةً لاضطرابات ناتجة عن النظام الغذائي، والعدوى، أو العادات الغذائية الخاطئة.
في هذا المقال، سنعرض الأسباب العلمية للمعاناة من هذه الاضطرابات. ثم نناقش أهمّ العوارض التي يجب على الأم مراقبتها، ونستعرض طرق الوقاية، بالإضافة إلى أبرز أساليب العلاج المدعومة بالدراسات الحديثة. وسنضع بين يديكِ خطة واضحة للتعامل مع هذه المشاكل في المنزل قبل الحاجة للتدخل الطبي. مع التأكيد على ضرورة المتابعة الطبية في الحالات المتكررة أو المزمنة.
الأسباب الأكثر شيوعًا وراء اضطرابات الهضم
من المهم معرفة الأسباب لتحديد العلاج المناسب. غالبًا، تعود مشاكل الهضم الشائعة عند الأطفال إلى مجموعة من العوامل المتداخلة:

أولًا، النظام الغذائي غير المتوازن، حيث يؤدي الإفراط في الأطعمة الدسمة أو المقلية أو الحلويات إلى إرهاق الجهاز الهضمي. كما أن قلة تناول الألياف من الخضروات والفواكه تزيد خطر الإمساك.
ثانيًا، العدوى الفيروسية أو البكتيرية، وهي من الأسباب الرئيسية للإسهال الحاد أو المزمن. خصوصًا عند الأطفال في بيئات مدرسية أو حضانات.
ثالثًا، الحساسية وعدم تحمّل بعض الأطعمة مثل الحليب البقري أو الغلوتين. والتي قد تؤدي إلى انتفاخ البطن، والإسهال، أو التقيؤ.
وأخيرًا، العادات الغذائية الخاطئة كالأكل بسرعة أو إهمال مضغ الطعام جيدًا. ما يسبب صعوبة في الهضم وزيادة الغازات.
العوارض التي يجب الانتباه لها
لكي تتمكن الأم من التعامل المبكر مع المشكلة، يجب أن تراقب علامات واضحة تدل على وجود اضطراب هضمي.
من أكثر العوارض شيوعًا: المغص المتكرر، وهو شعور بالألم أو الانزعاج في البطن. غالبًا ما يترافق مع بكاء الطفل أو قلة نشاطه.
كذلك، الإمساك المزمن الذي يظهر عند ملاحظة صعوبة أو قلة في عدد مرات التبرز، إضافةً إلى صلابة البراز.
كما يُعدّ الإسهال المتكرر مؤشرًا مهمًا، خاصّةً إذا ترافق مع فقدان الوزن أو الجفاف.
ومن العوارض الأخرى: انتفاخ البطن، وفقدان الشهية، والتقيؤ، والتعب العام. عند ظهور هذه العوارض بشكلٍ مستمرّ، يجب مراجعة الطبيب لإجراء الفحوصات اللازمة واستبعاد الأسباب العضوية الخطيرة.
الوقاية من مشاكل الهضم
تبدأ الوقاية من النظام الغذائي السليم. على الأم أن تحرص على تقديم وجبات متوازنة تحتوي ألياف كافية، وسوائل مناسبة، وكميات معتدلة من الدهون.

كما يُنصح بتعويد الطفل على شرب الماء بانتظام، لأن الجفاف يزيد من خطر الإمساك ويؤثّر على حركة الأمعاء.
من المهم أيضًا تعزيز النظافة الشخصية، كغسل اليدين قبل الأكل وبعد استخدام الحمام، للحدّ من انتقال العدوى المسبّبة للإسهال.
كذلك، يجب تجنب الإفراط في الأطعمة المصنعة والمشروبات الغازية، واستبدالها بوجبات طبيعية غنية بالعناصر الغذائية الضرورية للنمو.
وأخيرًا، تشجيع النشاط البدني، حتى لو كان بسيطًا مثل المشي أو اللعب في الهواء الطلق.وذلك لأنّه يحفّز حركة الأمعاء ويحسّن عملية الهضم.
أساليب العلاج الفعّالة
يعتمد علاج مشاكل الهضم الشائعة عند الأطفال على السبب الأساسي.
في حال الإمساك، يُنصح بزيادة الألياف في النظام الغذائي، وتقديم الفواكه الطازجة مثل الكمثرى أو البرقوق. مع تشجيع الطفل على شرب المزيد من الماء.
أما في حال الإسهال، فيجب تعويض السوائل والأملاح المفقودة عبر محلول الإماهة الفموية، وتجنب تناول الأطعمة المؤثّرة كالمقليات أو البهارات.
إذا كان السبب حساسية غذائية، فالحل الأمثل هو استبعاد الطعام المسبب تحت إشراف طبيب مختص في التغذية أو الحساسية.
وفي حالات العدوى، قد يصف الطبيب علاجًا دوائيًا إذا كانت العدوى بكتيرية، أو يكتفي بالعلاج الداعم إذا كانت فيروسية.
من المفيد أيضًا استخدام البروبيوتيك (البكتيريا النافعة) التي أظهرت الدراسات أنها تدعم توازن البكتيريا في الأمعاء وتحسن مناعة الطفل.
متى يجب مراجعة الطبيب فورًا؟
هناك حالات تتطلب تدخلًا عاجلًا، مثل وجود دم في البراز، أو فقدان وزن ملحوظ، أو استمرار الإسهال لأكثر من أسبوع، أو القيء المستمر الذي يسبب الجفاف.

كما يجب طلب الاستشارة الطبية إذا ظهرت عوارض مثل ارتفاع الحرارة مع آلام البطن. أو إذا كان الطفل يعاني من ألم شديد يمنعه من الحركة أو النوم.
قد تشير هذه العلامات إلى وجود مشاكل أعمق في الجهاز الهضمي، وتحتاج إلى تشخيص فوري لتجنب المضاعفات.
الخلاصة
إن فهم طبيعة مشاكل الهضم الشائعة عند الأطفال يساعد الأمهات على التعامل معها بوعي وفعالية. فالانتباه للعوارض، وتبني نظام غذائي متوازن، والحفاظ على النظافة، جميعها خطوات أساسية لحماية صحة الطفل. ومع ذلك، يبقى دور الطبيب ضروريًا في الحالات المزمنة أو الشديدة، لضمان التشخيص السليم والعلاج المناسب. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن زيادة مفاجئة في القلق النفسي لدى الأطفال العرب!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن التعامل مع مشاكل الهضم يبدأ من المطبخ قبل عيادة الطبيب. النظام الغذائي الصحي، مع القليل من الصبر والاهتمام، يمكن أن يجنّب الطفل كثيرًا من الألم والانزعاج. لكنّ الأهم هو وعي الأم بأن أي عرض مستمر أو متكرر يجب ألا يُهمل، لأن التدخل المبكر قد يحمي الطفل من مضاعفات قد تؤثر على نموه وسلامته العامة.