بين الدعم والتقليل.. هل كلامه يرفعك أم يُطفئك؟ هذا السؤال يجب أن تسأليه لنفسك اليوم، قبل الغد. فالكلام الذي تسمعينه يوميًا من شريك حياتك، ليس مجرد حروف تُقال وتُنسى، بل هو عامل فعّال في تكوين نظرتك لنفسك، وشعورك بالأمان، وثقتك بقدرتك على النجاح. العلاقات الإنسانية، وخاصة الزوجية، تعتمد على الكلام بقدر ما تعتمد على الأفعال.
لذلك، سنناقش في هذا المقال: أولًا، الفرق بين الدعم الحقيقي والتقليل المقنّع. ثانيًا، الآثار النفسية للكلام السلبي والإيجابي. ثالثًا، العلامات التي تُظهر أن شريكك يدعمك فعلًا. وأخيرًا، سنقدّم خطوات عملية لتجاوز العلاقة التي تُطفئك بدلًا من أن ترفعك.
الدعم والتقليل: مفهومان متضادان
في البداية، من المهم أن نُدرك الفرق بين الدعم والتقليل. الدعم هو التعبير عن الثقة بكِ، وتشجيعك على التقدّم، والاحتفاء بإنجازاتك مهما كانت بسيطة. أما التقليل، فهو الإشارة المستمرّة إلى أخطائك، أو التحقير من قدراتك، أو الاستخفاف بأحلامك.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة Journal of Personality and Social Psychology، فإن الشريك الذي يُظهر دعمًا عاطفيًا متوازنًا، يُساهم في تعزيز رفاه الشريك الآخر وتحسين صحته النفسية (Feeney & Collins, 2015). في المقابل، الشريك الذي يوجّه انتقادات دائمة أو يُقلّل من إنجازات الطرف الآخر، يُضعف الشعور بالكفاءة الذاتية، ويزيد من الشعور بالقلق والتوتر.
هل كلامه يرفعك أم يُطفئك؟
سلوك الشريك اليومي يجيب عن هذا السؤال بوضوح.
هل يُشجّعك عندما تواجهين صعوبة؟ ويحتفل بنجاحك؟ وينصت إليك باهتمام؟ إن أجابك سلوكه بـ”نعم”، فغالبًا ما يكون كلامه يرفعك. أمّا إذا كان يُقلّل من أهمية أفكارك، أو يقاطعك باستمرار، أو يسخر من محاولاتك، فالكلام عنده يُطفئك من دون شك.
أظهرت دراسة حديثة صادرة عن جامعة كاليفورنيا أن الأزواج الذين يستخدمون عبارات تشجيعية مثل “أعرف أنكِ قادرة” أو “أثق برأيك” يساهمون في بناء بيئة أسرية صحية. بينما استخدام عبارات سلبية مثل “لن تفهمي” أو “هيدا مش شغلك” يُسبّب توترًا دائمًا ويؤثّر على احترام الذات (Gordon & Chen, 2020).
الآثار النفسية للكلام الإيجابي والسلبي
الكلام يترك آثارًا أعمق مما تتخيلين.

يُعزّز سماع الكلمات الإيجابية إفراز هرمونات السعادة مثل الدوبامين، ويُشعرك بالاطمئنان. هذا يدفعك إلى المبادرة، والإنجاز، والتواصل الإيجابي. في المقابل، الكلمات السلبية ترفع مستويات الكورتيزول في الجسم، ممّا يؤدي إلى القلق، والأرق، وضعف المناعة، واضطرابات المزاج.
وبحسب دراسة منشورة في مجلة NeuroImage، فإن الدماغ يُسجّل الكلمات السلبية بسرعة أكبر من الإيجابية، ويتفاعل معها بطريقة دفاعية، ما يزيد من التوتر (Kensinger & Schacter, 2006). هذا يعني أن تكرار الكلام السلبي في العلاقة، حتى لو بدا غير مقصود، يُلحق ضررًا متراكمًا بصحتك النفسية.
علامات الدعم الحقيقي
هناك علامات واضحة تُشير إلى أن شريكك يدعمك بصدق.
- أولًا: يُنصت لكِ من دون مقاطعة.
- ثانيًا: لا يُشعرك بالذنب عند الفشل، بل يُذكّرك بقدرتك على المحاولة مجددًا.
- ثالثًا: يُظهر الاحترام لأفكارك، حتى لو اختلف معك.
- رابعًا: يستخدم عبارات مثل “أنا فخور بكِ” أو “تقدّمتِ كثيرًا”.
هذه العبارات ليست مجاملة فقط، بل هي إشارات واضحة على وجود دعم عاطفي فعّال. من جهة أخرى، إذا كان يتهرّب من الاستماع، أو يُضحك الآخرين على حسابك، أو يقلّل من أهمية ما تفعلينه، فالعلاقة تسير في اتجاه خاطئ.
اختبار بسيط يمكنه أن يكشف الحقيقة
اطلبي منه أن يستمع لك خمس دقائق حول إنجاز مهم حقّقته.

راقبي ردة فعله. هل ابتسم؟ أو عبّر عن فخره؟ أم قدّم لكِ اقتراحًا بنّاءً؟ هل اكتفى بالصمت أو بتغيير الموضوع؟
في الحقيقة، الدعم لا يُقاس فقط بكثرة الكلام، بل بنوعيته، وتوقيته، وصدقه. الشريك الذي يُقدّم دعمًا حقيقيًا سيُظهره في أصغر المواقف. أما من يُطفئك، فستلاحظين أنّ كلامه دائمًا يحمل ظلًا من الشك، والسخرية، أو التقليل.
خطوات عملية لحماية نفسك من التقليل
إذا اكتشفتِ أن شريكك يُطفئك بدل أن يرفعك، فلا تصمتي.
- تحدثي معه بصراحة، وعبّري عن شعورك حين يُقلّل من شأنك.
- اختاري الوقت المناسب، وتجنّبي الاتهام.
- أعطي أمثلة واضحة على مواقف سبّبت لكِ ألمًا نفسيًا.
- اسأليه: “بين الدعم والتقليل.. هل كلامك يرفعني أم يُطفئني؟”
- احرصي على وضع حدود عاطفية واضحة.
- لا تسمحي للكلمات الجارحة أن تتكرّر من دون موقف حازم.
أحيانًا، يحتاج الشريك إلى وعي جديد ليتغيّر. ولكن إن استمر في التقليل بعد التنبيه، فهنا يصبح الحفاظ على نفسك أولويّة.
الخلاصة
بين الدعم والتقليل.. هل كلامه يرفعك أم يُطفئك؟ هذا السؤال ليس ترفًا فكريًا، بل أداة تقييم صحيّة لأي علاقة زوجية بين شخصين. فالكلام يبني، أو يهدم. يدفعك إلى الأمام لتحقيق أحلامك، أو يشدّك إلى الخلف لتتغاضي عنها. لا تستهيني بقوّة الكلمة، ولا تهملي أثرها على كيانك النفسي والجسدي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ لماذا يخاف الشركاء من طلب الراحة؟