يُعَدّ اقتراف أكثر أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج الجدد دون وعي من أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى فتور العلاقة الزوجية في بدايتها، رغم أن النوايا غالبًا ما تكون طيبة. فالكثير من الأزواج يدخلون الحياة المشتركة بأحلام وردية، لكنهم يصطدمون بتفاصيل يومية لم يتوقعوها. عدم الوعي بهذه الأخطاء منذ البداية قد يؤدي إلى تراكم المشاكل، وتراجع مشاعر الودّ والاحترام المتبادل بين الزوجين. ما يؤثّر سلبًا على جودة الحياة الزوجية.
في هذا المقال، سنستعرض مجموعة من أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج الجدد دون وعي، مستندين إلى دراسات نفسية وسوسيولوجية معتمدة، لنفهم جذورها ونتعلّم كيف نتجنّبها. كما سنقدّم حلولًا بسيطة يمكن تطبيقها بسهولة في الحياة اليومية، لضمان بداية مستقرة وناجحة للعلاقة الزوجية.
1- توقّعات غير واقعية
غالبًا ما يبدأ الأزواج حياتهم الزوجية بتصوّرات مثالية عن الشريك، فيتوقّع كلّ طرف أن يعيش حال من السعادة الدائمة والانسجام الكامل. لكنّ الواقع يفرض اختلافات طبيعية بين الطرفين. تبيّن دراسة نُشرت في Journal of Family Psychology أن الأزواج الذين يضعون توقعات مرتفعة وغير واقعية غالبًا ما يشعرون بالإحباط خلال أول سنة من الزواج، مقارنةً بأولئك الذين دخلوا العلاقة بتوقّعات معتدلة.

من هنا، يجب بناء التوقّعات على التواصل الصريح، ومعرفة أن الزواج ليس ملاذًا خاليًا من المشاكل. بل هو شراكة تتطلب صبرًا وجهدًا متواصلًا من الطرفين.
2- إهمال التواصل العاطفي
من أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج الجدد دون وعي أنهم يركّزون على الجوانب المادية والإدارية للحياة الزوجية، وينسون أهمية التواصل العاطفي. فالكلمات الحنونة، ونظرات التقدير، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، تُعَدّ أساسًا قويًا لبناء الثقة والمحبّة بين الزوجين.
بحسب دراسة في Harvard Study of Adult Development، يُعتبَر التواصل العاطفي المستمرّ من أهمّ العوامل التي تساهم في رضا الزوجين على المدى الطويل. لذلك، لا بد من تخصيص وقت يومي لتبادل المشاعر والحديث عن اليوم، ولو لدقائق قليلة، من دون مقاطعة أو تشتّت.
3- المقارنة بالآخرين
من الأخطاء النفسية الخطيرة التي يقع فيها بعض الأزواج الجدد، المقارنة الدائمة بعلاقات أصدقاء أو مشاهير أو حتى أفراد من العائلة. هذه المقارنات تُحدث فجوة في الرضا الذاتي، وتزرع شعورًا بعدم الكفاية تجاه الشريك.

مجلة Personality and Social Psychology Bulletin نشرت دراسة تؤكّد أن المقارنة بالعلاقات الأخرى تؤدي إلى انخفاض الشعور بالرضا الزوجي بنسبة تفوق 30%. الحل يكمن في التركيز على الإيجابيات داخل العلاقة الخاصة، وبناء معايير شخصية بدلًا من استعارة معايير الآخرين.
4- تجاهل الخلافات وعدم مناقشتها
من أكثر أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج الجدد دون وعي أيضًا هو التهرّب من الخلافات أو دفنها بدافع الحفاظ على الانسجام. لكنّ الواقع يُظهر أن الصمت على المشاكل يؤدّي إلى تراكمها ثمّ انفجارها لاحقًا بشكل مؤذٍ.
لا تخلو العلاقات الزوجية الناجحة من الخلافات، لكن الفرق يكمن في كيفية إدارتها. تشير الدراسات إلى أن الحوار البنّاء، الذي يُبنى على الاستماع والتفهّم من دون إصدار أحكام، هو مفتاح تجاوز الخلافات بسلام.
لذلك، من الضروري تخصيص وقت للحوار بهدوء، في مكان مريح، مع الاستعداد لسماع وجهة نظر الآخر بصدق.
5- عدم الاتفاق المسبق على المهام والمسؤوليات
يتجاهل الكثير من الأزواج الجدد أهمية تنظيم حياتهم المشتركة عبر توزيع واضح للمسؤوليات، سواء داخل المنزل أو خارجه. يؤدّي غياب هذا التنظيم إلى تصادمات يومية حول “من يفعل ماذا”، خاصّةً مع ضغوط العمل والأطفال لاحقًا.

تبيّن دراسة أُجريت في University of California أن الأزواج الذين يناقشون مهامهم المنزلية بوضوح منذ بداية العلاقة، يتمتّعون بعلاقة أقل توترًا بنسبة 40% من أولئك الذين يتركون الأمور للظروف.
لذلك، من المفيد كتابة قائمة بالأدوار، ومراجعتها بشكل دوري، مع قدر من المرونة والتعاون.
6- الخلط بين الحب والتملّك
من أبرز أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج الجدد دون وعي أنهم يظنّون أنّ الحب الحقيقي يتطلّب الالتصاق الدائم بالشريك. لكن الحقيقة أن العلاقة الصحية هي التي توازن بين القرب العاطفي واحترام المساحة الشخصيّة.
علم النفس الإيجابي يؤكّد أن الأفراد يحتاجون إلى فترات من الاستقلال الذاتي، سواء في الهوايات أو العلاقات الاجتماعية. هذا يعزّز الشعور بالثقة بالنفس، ويمنع الشعور بالاختناق داخل العلاقة.
كل علاقة زوجية تبدأ بصفحة بيضاء، والقرارات التي يتّخذها الطرفان في بدايات الزواج تحدّد شكل هذه الصفحة. قد تبدو أخطاء شائعة يقع فيها الأزواج الجدد من دون وعي بسيطة. لكنّها تترك آثارًا طويلة الأمد إن لم تُعالَج في وقتها.
الوعي، والحوار، والنية الطيبة هي أساس بناء علاقة صحية ومستقرة. ليس المطلوب الكمال، بل التطوّر المستمر والاستعداد للتعلّم من كلّ تجربة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تبنين علاقة زوجية لا تهزمها الضغوط اليومية؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن سرّ نجاح الزواج لا يكمن في تجنّب الخلافات، بل في إدارة هذه الخلافات بوعي ونضج. كما أن الحوار الحقيقي والاحترام المتبادل هما العمود الفقري لكل علاقة ناجحة. على كل زوجين أن يتذكّرا دائمًا أن الزواج ليس ساحة معركة لإثبات الصواب. بل مساحة للنمو المشترك، والتسامح، والبناء اليومي لحياة أكثر دفئًا وأمانًا.