كيف أوقف النزيف بعد الإجهاض؟ سؤال يشغل تفكير كلّ امرأة مرّت بهذه التجربة الصعبة. فالنزيف بعد الإجهاض ليس مجرّد عارضٍ بسيط، بل قد يكون إنذارًا لخطرٍ جسيم إذا لم يُعالج بسرعة وبالطريقة الصحيحة. بعد فقدان الحمل، يبدأ الجسم بالتخلّص من بقايا الأنسجة والدم في الرحم، ما يسبّب نزفًا يمكن أن يكون طبيعيًّا في الأيام الأولى. لكن عندما يتجاوز الحدّ الطبيعي، أو يترافق مع عوارض أخرى مثل الشعور بالدوخة أو الألم الشديد، يتحوّل الأمر إلى حال طارئة تستدعي تدخّلًا فوريًّا.
في هذا المقال، سنشرح بطريقةٍ علميّة ومبسّطة كيف أوقف النزيف بعد الإجهاض، من خلال خمس خطوات أساسيّة تحمي حياتك وتعيد توازن جسمك. سنتعرّف على كيفية التصرّف فورًا بعد الإجهاض، والعلاجات الطبيّة المتاحة، والنصائح المنزليّة الآمنة، والعلامات التي تستوجب زيارة الطبيب من دون تأخير. إضافةً إلى أهمّ الممنوعات التي قد تزيد الحالة سوءًا.
التصرّف الفوري بعد الإجهاض: الهدوء أولًا والفحص الطبي ضرورة
بعد الإجهاض مباشرةً، يجب أن تتحلّى المرأة بالهدوء، لأنّ التوتّر يزيد النزف. من الضروري التوجّه إلى المستشفى أو الطبيب لتقييم الحال.
- الخطوة الأولى: التأكّد من أنّ الرحم خالٍ من الأنسجة العالقة. أحيانًا، يبقى جزء من الحمل داخل الرحم، فيؤدّي إلى نزفٍ متواصل.
- الخطوة الثانية: إجراء فحصٍ بالموجات فوق الصوتيّة (Ultrasound) لتحديد مصدر الدم وتقدير الكمية المفقودة.
- الخطوة الثالثة: فحص ضغط الدم ونبض القلب لتجنّب خطر الصدمة النزفية.
بحسب منظّمة الصحة العالمية (WHO)، يجب ألاّ يستمر النزيف الحاد أكثر من أسبوعين بعد الإجهاض، وأيّ استمرارٍ أطول يُعدّ علامة على وجود بقايا أو التهابات رحمية. لذلك، فإنّ الكشف المبكر خطوة أساسية في إنقاذ الحياة.
العلاجات الطبيّة: بين الأدوية والإجراءات الجراحية
بعد التشخيص، يحدّد الطبيب العلاج الأنسب حسب شدّة النزيف.
- في الحالات الخفيفة: يصف الطبيب أدوية لتقليص الرحم مثل الميزوبرستول (Misoprostol). وهي مادة تساعد على انقباض عضلات الرحم لطرد الدم والأنسجة المتبقية.
- في الحالات المتوسطة: يمكن اللجوء إلى المضادات الحيوية لمنع العدوى. خصوصًا إذا كان النزيف ناتجًا عن التهاب بطانة الرحم.
- في الحالات الشديدة: قد تُجرى عملية تنظيف الرحم (Dilation and Curettage) لإزالة بقايا الأنسجة التي تمنع توقف الدم.
تشير تقارير Mayo Clinic (2024) إلى أنّ 90٪ من النساء اللواتي خضعن لتنظيف الرحم بعد الإجهاض توقف لديهن النزيف خلال 24 إلى 48 ساعة. ومع ذلك، فإنّ أيّ إجراء طبي يجب أن يتمّ في بيئة معقّمة وتحت إشراف طبيب مختصّ لتجنّب المضاعفات.
العناية المنزلية الآمنة: خطوات صغيرة تُحدث فرقًا كبيرًا
إلى جانب العلاج الطبي، توجد ممارسات بسيطة تساعد على تقليل النزيف ودعم شفاء الجسم بسرعة.
- أولًا: الراحة التامّة في السرير خلال الأيام الأولى. الحركة الزائدة تزيد تدفّق الدم.
- ثانيًا: شرب كميات كافية من الماء والعصائر الطبيعيّة لتعويض السوائل المفقودة.
- ثالثًا: تناول أطعمة غنيّة بالحديد مثل السبانخ، والكبد، والبقوليات لتجنّب فقر الدم.
- رابعًا: استخدام كمّادات دافئة على أسفل البطن لتخفيف التشنّجات وتحفيز الدورة الدموية.
- خامسًا: تجنّب الجماع أو استخدام السدادات القطنية خلال أسبوعين على الأقل لتفادي الالتهابات.
وفقًا لموقع Healthline (2023)، يمكن للنزيف أن يتراجع تدريجيًّا خلال عشرة أيام إذا التزمت المرأة بهذه الإرشادات. كما يُنصح بقياس درجة الحرارة يوميًّا، لأنّ ارتفاعها قد يشير إلى التهاب داخلي يستدعي مراجعة الطبيب فورًا.
متى يصبح النزيف خطرًا؟ علامات تستدعي تدخّلًا عاجلًا
أحيانًا، لا تتوقّف بعض النساء عند العوارض الخطرة، ما يؤدّي إلى تفاقم الحال. لذلك، من المهم معرفة متى يجب طلب المساعدة الطبية.
- إذا تجاوز النزيف حاجز الوسادة الصحية الواحدة في الساعة.
- إذا ظهر دم متجلّط بحجم كبير أو كان لونه داكنًا جدًا.
- إذا رافق النزيف دوخة، وضعف شديد، أو فقدان وعي.
- إذا كان هناك رائحة كريهة للدم، ما يدلّ على التهاب بكتيري.
- إذا استمرّ النزيف أكثر من أسبوعين رغم العلاج.
تؤكّد Cleveland Clinic (2024) أنّ تجاهل هذه العوارض قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل فقر الدم الحاد أو التهاب الرحم المزمن. لذلك، يجب أن تتحرّك المرأة فورًا في حال ظهور أيٍّ من هذه الإشارات.
الممنوعات بعد الإجهاض: خطوات خاطئة قد تُفاقم النزيف
الكثير من النساء يقعن في أخطاء شائعة بعد الإجهاض، ما يزيد من خطر النزف. من الضروري معرفة هذه الممنوعات لتجنّبها تمامًا:
- تجنّب رفع الأشياء الثقيلة لأنّها تسبّب ضغطًا مباشرًا على عضلات البطن والرحم.
- عدم تناول الأعشاب من دون استشارة الطبيب، فبعضها مثل القرفة والزنجبيل يزيد سيولة الدم.
- الامتناع عن التدخين والكافيين لأنّهما يضعفان الدورة الدموية ويؤخران التعافي.
- عدم استخدام الدش المهبلي لأنّه يغيّر توازن البكتيريا الطبيعية ويزيد خطر الالتهاب.
- الاهتمام بالنظافة الشخصية مع استخدام فوط قطنية وتغييرها باستمرار.
تشير الدراسات المنشورة في National Institutes of Health (NIH) إلى أنّ الالتزام بهذه القواعد يقلّل من احتمال حدوث مضاعفات بعد الإجهاض بنسبة تتجاوز 70٪.
الخلاصة
في النهاية، يبقى سؤال كيف أوقف النزيف بعد الإجهاض واحدًا من أهمّ الأسئلة التي تحتاج كلّ امرأة إلى معرفة إجابتها بوضوح ودقّة. فالتعامل السليم مع النزيف ليس مجرّد علاجٍ جسدي، بل هو أيضًا حماية للنفس من الخوف والقلق. إنّ الوعي، والفحص المبكر، والالتزام بتعليمات الطبيب، هي مفاتيح الأمان بعد هذه التجربة الحساسة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أضرار تجاهل عوارض الزلال للحامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ معرفة المرأة بجسمها هي الخطوة الأولى للوقاية من أيّ خطرٍ محتمل. لا يجب الخجل من الحديث عن النزيف بعد الإجهاض، بل يجب أن يكون الموضوع واضحًا ومفتوحًا لكلّ النساء. إنّ العناية بالنفس بعد هذه المرحلة ليست رفاهية. بل ضرورة طبيّة ونفسيّة في آنٍ واحد، تضمن الشفاء التام والعودة إلى الحياة بثقةٍ وسلام.
