يتساءل معظم الأهل متى يبدا الطفل بالاكل بعد أشهر من الرضاعة الطبيعيّة أو الصناعيّة فقط؟. هذه المرحلة مهمّة جدًا في نموّ الطفل، فهي تشكّل نقطة انتقال من الحليب إلى عالم جديد من النكهات والمغذّيات. يبدأ الطفل في اكتشاف الطعام شيئًا فشيئًا، وتؤدّي الأمّ دورًا رئيسيًا في تنظيم هذا الانتقال بطريقة صحيحة وآمنة.
في هذا المقال، سنشرح خطوة بخطوة المراحل الأساسية لبدء الأكل، والعلامات التي تدلّ على الجاهزية، وأفضل الأطعمة الأولى، وكيفية تقديمها. مع تقديم نصائح علمية لضمان تغذية سليمة. الهدف هو جعل هذه الرحلة مغذّية وممتعة وآمنة، لكِ ولطفلك.
علامات استعداد الطفل لتناول الطعام
قبل معرفة متى يبدا الطفل بالاكل، يجب الانتباه إلى مؤشّرات الجاهزية. لا يعتمد الأمر فقط على العمر، بل على تطوّر الطفل الجسدي والحركي.

- رفع الرأس بثبات: عندما يستطيع الطفل رفع رأسه بثقة من دون دعم، يكون قد بدأ يكتسب السيطرة المطلوبة للأكل.
- الجلوس المستقرّ: يجب أن يتمكّن من الجلوس بشكل شبه مستقلّ، مع القليل من الدعم فقط.
- اختفاء منعكس اللسان: في الأشهر الأولى، يدفع الطفل الطعام بلسانه تلقائيًا، وهو ما يمنعه من ابتلاع الأطعمة الصلبة. زوال هذا المنعكس علامة مهمة على الجاهزية.
- الاهتمام بالطعام: إذا بدأ الطفل ينظر إلى الطعام، ويحاول لمسه أو فتح فمه عندما يراك تأكلين، فهذه إشارة على أنّه جاهز.
- القدرة على المضغ البسيط: حتى لو لم تنبت أسنانه بعد، يستطيع الطفل مضغ الطعام الطري بواسطة اللثة.
تشير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أنّ معظم الأطفال يُظهرون هذه العلامات بين عمر 4 إلى 6 أشهر. مع توصية ببدء إدخال الطعام الصلب عند 6 أشهر تقريبًا مع استمرار الرضاعة الطبيعية.
كيف نبدأ أول تجربة طعام؟
تُعدّ لحظة تقديم أول لقمة من الطعام خطوة مليئة بالمشاعر والفضول. من الأفضل أن تبدأ الأمّ تدريجيًا وببطء، فالجهاز الهضمي للطفل لا يزال في طور النمو.
- ابدئي بملعقة صغيرة: قدّمي كميات قليلة جدًّا من طعام مهروس وسهل البلع، مثل الأرزّ المطحون أو البطاطا المسلوقة المهروسة.
- اختاري وقتًا مناسبًا: من الأفضل أن يكون الطفل مرتاحًا وغير جائع جدًا، ويفضّل أن يكون مستيقظًا ومزاجه جيّدًا.
- ركّزي على النظافة: يجب غسل اليدين جيدًا وتعقيم الأدوات دائمًا، لأنّ جهاز الطفل المناعي لا يزال ضعيفًا.
- لا تخلطي أصنافًا كثيرة: ابدئي بنوع واحد فقط من الطعام كل ثلاثة أيام، لتراقبي أي تفاعل أو تحسّس محتمل.
- قدّمي الطعام بالملعقة وليس بالرضّاعة: لأنّ الطفل بحاجة لتعلّم مضغ الطعام وابتلاعه بطريقة طبيعية.
توصي الأكاديمية الأمريكية لطبّ الأطفال (AAP) بعدم إضافة الملح أو السكّر أو العسل إلى طعام الطفل في السنة الأولى، لأنّها قد تؤذي الكلى أو تزيد خطر الحساسية.
أفضل الأطعمة الأولى للطفل
عند التساؤل: متى يبدا الطفل بالاكل؟ يظهر سؤال آخر: ما هو أفضل طعام أول؟. يجب أن يحتوي الطعام الحديد والزنك، لأنّ مخزون الطفل من هذه المعادن يبدأ بالنفاد بعد الشهر السادس.

- حبوب الأرزّ المدعّمة بالحديد: خيار ممتاز وسهل الهضم. يمكن خلطها بحليب الأمّ أو الحليب الصناعي لتصبح ناعمة الملمس.
- الخضار المهروسة: مثل الكوسا، والجزر، والبطاطا الحلوة. غنية بالفيتامينات والألياف.
- الفواكه الطرية: مثل التفاح والموز والإجاص بعد سلقها وهرسها. تحتوي سكّرًا طبيعيًا وطاقة.
- العدس المهروس: مصدر جيّد للبروتين النباتي والحديد.
- صفار البيض المسلوق: غنيّ بالبروتينات والدهون الجيدة، ويمكن إدخاله تدريجيًا بعد الشهر السابع.
من المهم مراقبة أي علامات تحسّس مثل الطفح الجلدي أو الإسهال. في حال ظهورها، يجب التوقّف عن تقديم الصنف واستشارة الطبيب.
ترتيب إدخال الأطعمة وتنوّعها
بعد الاعتياد على الأطعمة الأولى، يجب توسيع الخيارات تدريجيًا. التنويع يدرّب الطفل على تقبّل النكهات المختلفة ويزوّده بالعناصر الضرورية للنموّ.
- أضيفي بروتينات حيوانية: مثل الدجاج أو السمك المسلوقين والمفرومين جيدًا بعد الشهر السابع.
- قدّمي الحبوب الكاملة: مثل الشوفان والقمح الكامل، لتأمين الطاقة والألياف.
- أدخلي منتجات الحليب: بعد الشهر التاسع، يمكن تقديم القليل من اللبن الطبيعي غير المحلّى.
- شجّعي الطفل على الأكل الذاتي: في نهاية العام الأوّل، اتركي له ملعقة صغيرة أو قطع طعام طرية ليمسكها بيده.
- احترمي شهيّته: لا تجبري الطفل على الأكل، فالإجبار يولّد رفضًا للطعام.
تشير دراسات من Mayo Clinic وCleveland Clinic إلى أنّ الأطفال الذين يتعرّفون على نكهات متنوّعة في السنة الأولى يطوّرون علاقة صحيّة مع الطعام لاحقًا، ويقلّ لديهم خطر السمنة (زيادة الوزن) أو الانتقائية في الأكل.
نصائح لضمان تجربة طعام آمنة ومغذّية
تساعد هذه النصائح البسيطة في جعل بداية الأكل أكثر أمانًا ونجاحًا:

- استمرّي في الرضاعة: حتى بعد إدخال الطعام، يظلّ الحليب المصدر الأساسي للتغذية حتى عمر سنة.
- قدّمي الماء بكميات صغيرة: بعد الشهر السادس، يمكن تقديم رشفات صغيرة من الماء في كوب خاصّ بالطفل.
- تجنّبي العسل والمكسّرات الكاملة: لأنّها قد تسبّب اختناقًا أو تسمّمًا.
- احرصي على الجوّ الهادئ: ضعي الطفل في مكان مريح وبعيد عن المشتّتات أثناء الأكل.
- تابعي مع طبيب الأطفال: لمراقبة الوزن والنموّ والتأكّد من أنّ النظام الغذائي متوازن.
كما تؤكّد منظمة الصحة العالمية أنّ التغذية المتنوّعة في هذه المرحلة ضرورية لتطوّر الدماغ والجهاز المناعي، وأنّ الأطعمة الغنية بالحديد، كاللحوم والبقوليات، أساسية في هذه المرحلة.
الخلاصة
إنّ فهم متى يبدا الطفل بالاكل يساعد الأمّ على دعم صحّة طفلها منذ البداية. هذه الرحلة لا تتعلّق فقط بالطعام. بل بتأسيس علاقة إيجابية مع الأكل، قائمة على التجرِبة والمرح والاهتمام. يبدأ الأمر بخطوات صغيرة، ولكن أثرها كبير على المدى الطويل. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن دلالة لون براز الطفل أخضر زيتي.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الأمّ التي تتعامل مع مرحلة إدخال الطعام بهدوء وصبر، تمنح طفلها ثقة أكبر في استكشاف النكهات الجديدة، وتشجّعه على بناء علاقة متوازنة مع الأكل منذ الصغر. الأهمّ هو التدرّج، والملاحظة الدقيقة، والاستمتاع بكلّ لحظة من هذه التجربة الفريدة التي تجمع بين العلم، والعاطفة، والحنان.