يُشكّل علاج مغص الطفل حديث الولادة تحديًا لكل أم تعيش مع بكاء متواصل في الليل. المغص ليس مرضًا خطيرًا في الغالب، لكنه يرهق المولود، ويزيد توتّر الأسرة، ويؤثّر في جودة نوم الجميع. أحيانًا يستمر البكاء ساعات طويلة، مع أنّ الطفل يكون سليمًا صحيًّا من دون مشاكل عضوية واضحة.
في هذا المقال، سنقدّم لكِ خطة عملية تعتمد على خطوات مدروسة. أوّلًا، سنفهم ماهية المغص وأسبابه المحتملة. بعد ذلك، سنستعرض أساليب التهدئة المنزلية، ثم نتطرّق إلى دور التغذية وفوائد الرضاعة الطبيعيّة، ونتناول العلاجات الداعمة التي أثبتتها الأبحاث، ونختم بعلامات تستدعي مراجعة الطبيب ونصائح وقائية. بهذه الطريقة، تحصلين على دليل متكامل يساعدكِ في اجتياز تلك المرحلة المرهقة.
ما هو مغص حديثي الولادة ولماذا يحدث؟
يُعرَّف المغص عند المولود بأنه نوبات بكاء متكرّرة، تمتدّ عادة أكثر من ثلاث ساعات في اليوم، وتستمر أكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع. هذه الحال تُرهق الأسرة، وتُشعر الأم بالعجز أمام بكاء طفلها، على الرغم من أنّ الفحوص الطبية غالبًا لا تكشف عن مرض عضوي. السبب الدقيق ما زال غير محدّد، لكن العلماء يعتقدون أنّ المغص نتيجة تداخل عدة عوامل تؤثّر معًا.

من أبرز هذه العوامل: عدم نضوج الجهاز الهضمي، إذ إن أمعاء الطفل في الأسابيع الأولى لا تكون قادرة تمامًا على هضم الحليب بكفاءة. كذلك، تقلّبات البكتيريا النافعة في الأمعاء تؤثّر في عملية الهضم وإنتاج الغازات. زيادة ابتلاع الهواء خلال الرضاعة، خصوصًا إذا كانت وضعية الطفل غير صحيحة أو الزجاجة غير مناسبة، يزيد الضغط داخل المعدة فيُسبّب التشنجات. أيضًا، هناك أطفال يظهر لديهم تحسّس مبكر لبعض البروتينات في الحليب سواء من الرضاعة الطبيعية أو الصناعية.
تشير الدراسات العلمية الحديثة إلى أن ميكروبيوم الأمعاء لدى الأطفال المصابين بالمغص يختلف بوضوح عن الأطفال الأصحاء. يعكس هذا الاختلاف دور البكتيريا المعوية في شدّة العوارض وطول مدتها. إضافةً إلى ذلك، العوامل البيئية مثل الضوضاء أو التوتر في المنزل قد ترفع حساسية الطفل وتجعل البكاء أكثر حدة. لذلك، يمكن القول إن المغص ليس سببه واحدًا بل مزيج من العوامل الفسيولوجية والبيئية التي تتفاعل في مرحلة مبكرة من حياة المولود.
خطوات التهدئة المنزلية الفعّالة
هناك وسائل بسيطة تساعدكِ على تهدئة طفلكِ في البيت.
من الطرق الأساسية حمل الطفل بطريقة منتصبة بعد الرضاعة، لأن هذه الوضعية تخفّف من الارتجاع المريئي للحليب وتُخرج الهواء بسهولة. أيضًا، يمكن تدليك البطن بلطف بحركات دائرية، إذ يحفّز ذلك حركة الأمعاء ويُخفّف الانزعاج.
استخدام الضوضاء البيضاء (كصوت المكنسة أو آلة خاصة) يبعث في المولود شعورًا بالأمان، لأنه يذكّره بأصوات الرحم. الحركة المستمرّة مثل هزّ السرير بلطف أو المشي بالطفل تساعده كثيرًا على الاسترخاء.
من المهم أن تبقى الغرفة معتدلة الحرارة، لأن الحرّ الشديد أو البرد قد يزيد توتّر الطفل. هذه الخطوات ليست علاجًا نهائيًا، لكنها تخفّف بكاء الطفل وتقلّل التوتر العائلي.
دور التغذية والرضاعة في تقليل المغص
الغذاء هو محور أساسي في التعامل مع المغص.

تبقى الرضاعة الطبيعية الخيار الأفضل، لكن على الأم أن تنتبه لنظامها الغذائي. ربطت بعض الدراسات بين استهلاك الأم للأطعمة المهيّجة مثل الكافيين أو منتجات الألبان وبين زيادة نوبات المغص. لذلك، من المفيد تجربة حمية استبعادية لفترة قصيرة تحت إشراف الطبيب.
أما في حال الرضاعة الصناعية، فيُنصح أحيانًا باستخدام حليب مُعدّل قليل اللاكتوز أو يحتوي بروتينات محلّلة جزئيًا. هذه الأنواع تقلّل من صعوبة الهضم، وتساعد في الحدّ من الغازات.
أيضًا، طريقة الإرضاع مهمّة: يجب أن يكون رأس الطفل أعلى قليلًا من جسده، وأن تُملأ حلمة الزجاجة بالحليب لتجنّب ابتلاع الهواء. التجرّع السريع قد يزيد التشنجات، لذا من الأفضل تقسيم الوجبات إلى كميات أصغر وأكثر تكرارًا.
العلاجات الداعمة المبنية على الأبحاث
العلم يوفّر وسائل مساعدة بجانب التهدئة المنزلية.
أظهرت دراسات متعدّدة أنّ البروبيوتيك، خصوصًا نوع Lactobacillus reuteri DSM 17938، يُساهم في تقليل مدّة البكاء عند الرضّع المصابين بالمغص. هذه البكتيريا المفيدة تعيد التوازن إلى ميكروبيوم الأمعاء وتُحسّن الهضم.
بعض الأطباء قد يصفون قطرات تحتوي مركّبات مضادة للغازات مثل السيميثيكون، لكن نتائجها متباينة. الأعشاب مثل شاي البابونج أو الشمر أثبتت فعاليتها في بعض الأبحاث، لكن يجب إعطاؤها فقط باستشارة الطبيب لتجنّب الجرعات الزائدة.
المساج العلاجي وتمارين الركلينغ (تحريك ساقي الطفل باتجاه البطن) أظهرت نتائج جيدة في تحسين خروج الغازات وتخفيف الانزعاج. هذه العلاجات ليست بديلًا عن الاستشارة الطبية، لكنها وسائل داعمة مبنية على الأدلة.
متى يجب مراجعة الطبيب ونصائح وقائية
ليس كل بكاء مغصًا بسيطًا، أحيانًا تكون هناك علامات خطيرة.

يجب استشارة الطبيب فورًا إذا ترافق المغص مع حرارة مرتفعة، قيء متكرر، دم في البراز، فقدان وزن، أو صعوبة في الرضاعة. هذه العلامات قد تدلّ على مشاكل هضمية أو التهابية تحتاج تقييمًا عاجلًا.
أما من الناحية الوقائية، فهناك نصائح مهمّة:
- الحرص على تجشئة الطفل بعد كل رضعة.
- تنظيم مواعيد النوم والرضاعة.
- تجنّب تغيير الحليب الصناعي من دون استشارة طبية.
- خلق بيئة هادئة ومستقرّة للطفل، لأن التوتر في المنزل قد يزيد نوبات البكاء.
مع الوقت، معظم حالات المغص تتحسّن تلقائيًا مع نمو الطفل ونضوج جهازه الهضمي، وغالبًا تختفي في عمر ٣ إلى ٤ أشهر.
الخلاصة
في الختام، إنّ علاج مغص الطفل حديث الولادة لا يقوم على حلّ واحد، بل هو مزيج من فهم السبب، وتطبيق خطوات التهدئة المنزلية، وضبط التغذية، والاستعانة بالعلاجات الداعمة عند الحاجة. أهم ما يجب أن تتذكّريه أنّ المغص مرحلة عابرة، لكنها تتطلّب صبرًا وعناية دقيقة حتى تمرّ بسلام. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ أفضل طرق تعليم المشي للأطفال في المنزل مع حيل ذكية لكل أم.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الأم التي تواجه بكاء مولودها ليلًا تحتاج إلى دعم نفسي بقدر ما تحتاج إلى النصائح الطبية. العلاج ليس فقط تقنيات أو بروبيوتيك أو حليب خاص، بل هو أيضًا قلب صبور وأمومة قادرة على تحمّل التحديات. الثقة بأن هذه المرحلة قصيرة تمنح الأم طمأنينة، وتجعلها أقوى في التعامل مع صعوبة المغص.