يبدأ الجفاف العاطفي عند المرأة غالبًا بإحساس خفيّ بالبرود وفقدان الشغف تجاه الحياة والعلاقات، ثم يتطوّر إلى شعور بالانعزال الداخلي وفقدان القدرة على التعبير عن الحب والاهتمام. هذا النوع من الجفاف ليس مجرّد حال مزاجية عابرة، بل قد يتحوّل إلى ضغط نفسيّ يترك آثارًا طويلة الأمد إذا لم يُعالج مبكرًا.
في هذا المقال، سنكشف الأسباب النفسية والبيولوجية والاجتماعية للجفاف العاطفي، ونوضح العلامات المبكرة التي يجب الانتباه إليها، ونشرح المخاطر إذا أهمل العلاج. ثم نقدّم استراتيجيات علاجية مثبتة علميًا، ونختم بخطوات حياتية تدعم استعادة التوازن العاطفي.
فهم الجفاف العاطفي وأسبابه
من الضروري أولًا أن تفهم المرأة طبيعة الجفاف العاطفي قبل محاولة علاجه. تشير الدراسات النفسية إلى أنّ هذه الحال ترتبط بنقص التواصل الوجداني مع الذات والآخرين، وتظهر غالبًا عندما تتراكم الضغوط من دون تفريغ صحيّ للمشاعر. كما تؤدّي الهرمونات دورًا مهمًا؛ إذ تبيّن أنّ انخفاض مستويات الإستروجين أو السيروتونين قد يخفّض القدرة على الإحساس بالمتعة ويزيد من تقلب المزاج.
وتؤكّد الأبحاث الحديثة أنّ الشعور بالقلق والتوتر المزمن يغيّر كيمياء الدماغ، فيضعف مناطق مسؤولة عن التحكم العاطفي مثل اللوزة الدماغية والقشرة الجبهية الأمامية. هذا الخلل يجعل المرأة أكثر حساسية للضغوط وأقل قدرة على الشعور بالرضا.
إضافة إلى ذلك، يؤدّي الشعور بالإرهاق المتواصل، والتعرّض لضغوط العمل، والخلافات الأسرية إلى استنزاف الموارد النفسية. كما تساهم قلة النوم واضطراب النظام الغذائي في زيادة قابلية الدماغ للجفاف العاطفي. وتشير البحوث الاجتماعية إلى أنّ النساء اللواتي يعانين من ضعف الدعم العائلي أو العاطفي أكثر عرضة لهذه الحال، لأن شبكة الدعم تؤدّي دورًا في تنظيم الانفعالات وتوفير الأمان النفسي. وعندما يغيب هذا الدعم، تشعر المرأة بأنها مضطرة لمواجهة الضغوط وحدها، ما يعجّل من ظهور الجفاف العاطفي.
العلامات المبكرة للجفاف العاطفي
الاكتشاف المبكر مفتاح الوقاية. تظهر العلامات غالبًا بشكل تدريجي، مثل انعدام الحماس للنشاطات المعتادة، صعوبة التعبير عن المشاعر، أو البرود في العلاقة مع الشريك. كما قد تشعر المرأة بتراجع التعاطف مع الآخرين، وزيادة الانفعال أو التوتّر من المواقف اليومية الصغيرة.
تشير الدراسات النفسية إلى أنّ هذه العلامات ترتبط أحيانًا بارتفاع هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ما يزيد من الإحساس بالضغط الداخلي. لذلك، مراقبة التغيّرات المزاجية والنفسية بشكل دوري تساعد على التدخّل قبل تفاقم الحال.
مخاطر إهمال الجفاف العاطفي
عندما يُهمل الجفاف العاطفي عند المرأة، يصبح أكثر تعقيدًا ويؤثّر على الصحة الجسدية والنفسية. إذ تزداد احتمالية الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطرابات النوم. كما قد تنخفض الرغبة الجنسية، ما ينعكس سلبًا على العلاقة الزوجية.
وتُظهر الدراسات أنّ استمرار الجفاف العاطفي يؤثّر على جودة الحياة، ويقلّل القدرة على الإنتاجية والتركيز. كما قد يزيد من خطر السلوكيات الانسحابية، مثل تجنّب التواصل الاجتماعي أو الانغماس في العزلة، ما يفاقم الشعور بالوحدة. لهذا السبب، ينصح الخبراء بالتدخّل العلاجي في المراحل الأولى لتفادي المضاعفات.
استراتيجيات علاجية مثبتة علميًا
يُعَدّ العلاج النفسي السلوكي المعرفي من أكثر الطرق فعالية لمعالجة الجفاف العاطفي. يساعد هذا النوع من العلاج على تحديد الأفكار السلبية وإعادة هيكلتها، وتشجيع المرأة على تطوير مهارات جديدة للتعامل مع مشاعرها. كذلك، أثبتت تمارين اليقظة الذهنية (Mindfulness) فعاليتها في تحسين الوعي بالمشاعر وتنظيمها.
كما تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أنّ ممارسة النشاط البدني المعتدل ترفع مستويات الدوبامين والإندورفين، ما يعيد التوازن العاطفي تدريجيًا. إضافة إلى ذلك، ينصح الأطباء بتنظيم النوم والتغذية الغنية بالأحماض الدهنية أوميغا-٣ التي تدعم صحة الدماغ وتخفّض الشعور بالتوتر.
دور الدعم الاجتماعي ونمط الحياة
إلى جانب العلاج النفسي، يؤدّي الدعم الاجتماعي دورًا حاسمًا في الشفاء. التواصل مع صديقة مقرّبة أو الانضمام إلى مجموعات دعم يوفّر بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر. وتشير دراسات جامعة هارفارد إلى أنّ العلاقات الاجتماعية القوية تعزّز الرفاه النفسي وتخفّض معدلات التوتر.
كما يساعد تبنّي روتين صحي يشمل ممارسات الاسترخاء، مثل التأمّل وتمارين التنفّس العميق، في تحسين المزاج العام. ومن المهم تخصيص وقت للهوايات التي تمنح المرأة شعورًا بالإنجاز والبهجة، فذلك يساهم في استعادة التواصل العاطفي مع الذات والآخرين.
الخلاصة
في الختام، إنّ علاج الجفاف العاطفي عند المرأة يحتاج إلى وعي ذاتي واستعداد للتغيير قبل أن تتفاقم المشكلة. البدء بفهم الأسباب، والانتباه للعلامات المبكرة، ثم تطبيق استراتيجيات علاجية مدروسة، يضمن استعادة التوازن النفسي. كما أن إدخال تغييرات صغيرة على نمط الحياة وتوسيع شبكة الدعم يحقّق أثرًا طويل الأمد. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تصرفات عفوية من شريكك تؤكد وجود حب بين الزوجين بصدق.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الوقاية أفضل علاج؛ فالمرأة التي تمنح نفسها وقتًا للعناية بمشاعرها، وتتواصل بصدق مع من تحبّ، تقلّل من احتمال الوصول إلى مرحلة الجفاف العاطفي وتعاني من هذه المشكلة العاطفيّة. الاستثمار في الصحة النفسية ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على حياة متوازنة وسعيدة.
