في الحياة اليومية، يواجه الأهل العديد من التحديات في تربية أطفالهم. في كل مرة يصرخ فيها الطفل، ويعارض، أو يكذب، يشعر الأهل بأنهم أمام مشكلة سلوكية خطيرة تتطلب الحزم والعقاب الذي يتمّ بخطوات مدروسة. غير أن الدراسات الحديثة في علم نفس الطفل تكشف حقيقة مختلفة تمامًا: كثير من هذه السلوكيات هي مراحل طبيعية وأساسية في نمو الطفل.
من خلال هذا المقال، سنتناول خمس سلوكيات يظن الكثير من الأهل أنها تستحق العقاب، لكنها في الحقيقة دلائل على تطور صحي في التفكير والمشاعر والهوية. وسنقدّم لكل سلوك شرحًا علميًا مبسطًا، ونقترح طرقًا إيجابية للتعامل معه.
الشجار المستمر بين الإخوة
عندما يتشاجر الأطفال باستمرار، يعتقد الأهل أن هناك خللًا في الأخلاق أو التربية. لكن الحقيقة أن هذه الصراعات تمثّل تمرينًا اجتماعيًا مهمًا. فالشجار يُمكّن الأطفال من تعلّم التفاوض، وتحمّل المسؤولية، والتدرّب على الحلول الوسط.

ما الذي يمكن فعله؟
- الالتزام بالحياد وعدم الانحياز لطرف.
- تشجيعهم على الإصغاء لبعضهم البعض.
- مساعدتهم على إيجاد حلول ترضي الطرفين.
الكذب من دون سبب واضح
يظن الأهل أن الكذب دليل على فساد أخلاقي مبكر، لكن الواقع أن الطفل يكذب غالبًا لأنه خائف من العقاب، أو لأنه بدأ يفهم أن الأفعال لها عواقب. كما قد يكون الكذب جزءًا من تنمية الخيال والقدرة على التفكير الرمزي.
ما الذي يمكن فعله؟
- الحديث عن قيمة الصدق كجزء من هوية العائلة.
- خلق بيئة يشعر فيها الطفل بالأمان لقول الحقيقة من دون خوف.
القيام بعكس ما يُطلب منه
عندما يعارض الطفل أو يقول “لا”، يُفسّر ذلك غالبًا كعصيان. لكن هذا الرفض هو محاولة لتأكيد الذات والاستقلالية. فالطفل يجرّب الشعور بالقوة والاختيار، وهو أمر ضروري لبناء شخصية مستقلة.
ما الذي يمكن فعله؟
- تقديم خيارات بدلًا من الأوامر المباشرة: “تريد أن تنهي المهمة الآن أم بعد الأكل؟”
- الحفاظ على الحزم بلغة متعاطفة: “أفهم أنك لا تحب ذلك، ولكن يجب أن يتم.”
- مدح التعاون عند حدوثه لتعزيزه.
الصراخ والمشي بعصبية
عندما يصرخ الطفل أو يركل الباب، يشعر الأهل بالإحباط وربما بالغضب. ولكن هذه التصرفات تعني أن الطفل يمر بمشاعر لا يستطيع التحكم بها بعد، لأن دماغه العاطفي لم يكتمل نموه بعد.
ما الذي يمكن فعله؟
- البقاء بجانبه بهدوء، فوجودك يعطيه الأمان.
- تسمية المشاعر لمساعدته على فهمها: “كان الموقف محبطًا، أليس كذلك؟”
- تعليمه تدريجيًا استراتيجيات لتهدئة نفسه بعد انتهاء نوبة الغضب.
الردّ بوقاحة
قد يُفسّر الرد الجريء أو الوقح من الطفل كمجرد سوء تربية، لكن الحقيقة أنه يمثّل بداية القدرة على وضع الحدود والتفكير النقدي. فالطفل يختبر كيف يعبر عن رأيه ويطالب بحقوقه.
ما الذي يمكن فعله؟
- طرح أسئلة فضولية بدلًا من الرد الدفاعي: “ما الذي حدث لتتصرف بهذه الطريقة؟”
- الاعتراف بحاجة الطفل إلى الشعور بالاستقلالية.
- تحديد الحدود بوضوح ولكن بلغة تحترم الطفل ولا تسيطر عليه.
في النهاية، تكشف هذه السلوكيات عن مراحل طبيعية ومهمة في تطور الطفل العاطفي والاجتماعي والعقلي. لا تعني الوقاحة أو الكذب أو الرفض أن الطفل “سيئ” أو “غير مهذب”، بل أنها إشارات تستحق الفهم لا العقاب. فبدلًا من ردود الفعل العقابية، يمكننا بناء علاقة قائمة على التعاطف، والتوجيه الإيجابي، والدعم العاطفي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن الأمور الوحيدة التي ستبقى في ذاكرة طفلكِ عنكِ!