ابدئي بسؤال نفسك: طفلك يصرخ في الأماكن العامة هل شعرتِ بالإحراج أمام الناس أو بالغضب والعجز؟ يُعد هذا المشهد شائع جدًا بين الأمهات، وليس دليلًا على فشل في التربية. بل هو رد فعل طبيعي من الطفل، غالبًا ما يكون نتيجة شعور لم يستطع التعبير عنه بالكلمات.
نقدّم في هذا المقال خطوات علمية وعملية للتعامل مع صراخ الطفل في الأماكن العامة. نبدأ بتفسير الأسباب النفسيّة والعصبيّة لهذا السلوك، ثم نعرض تقنيات التهدئة الفورية، ونقترح اتباع استراتيجيات وقائيّة تمنع تكرار الموقف، ونختم بتقديم نصائح لبناء علاقة صحيّة مع الطفل.
حدّدي السبب أولًا قبل أي تصرّف
ابدئي بالهدوء. إن كان طفلك يصرخ في الأماكن العامة توقفي لحظة، وخذي نفسًا عميقًا، ثم افهمي السبب. قد يكون جائعًا، أو متعبًا، ويشعر بالغيرة، أو يفتقر إلى انتباهك. يُعتبِر الصراخ لغة بديلة للتعبير العاطفي عند الأطفال، خصوصًا في السنوات الأولى.
أشارت دراسة في Journal of Child Psychology and Psychiatry إلى أن الأطفال الذين لا يُمنحون مساحة للتعبير عن مشاعرهم يُظهرون سلوكيات صاخبة في البيئات العامة بنسبة 60% أكثر من غيرهم. لذلك، اسأليه بهدوء: “هل تشعر بالحزن؟ هل تحتاج أن تحضنني؟” وامنحيه لحظة يشعر فيها أنه مسموع.
قلّلي من المؤثرات المزعجة في المحيط
ركّزي على البيئة وانظري حولكِ، هل المكان مزدحم أو الأصوات عالية؟ يتأثرون الأطفال جدًا بالضوضاء، والروائح، والأنوار الساطعة. تُرهق هذه العوامل أدمغتهم وتجعلهم يصرخون كطريقة دفاعيّة.
أثبتت دراسة في Child Development Research أنّ تخفيف المحفّزات الحسيّة يساهم في تهدئة 72% من نوبات الصراخ. ابتعدي عن مصدر الإزعاج، وخذي طفلك إلى زاوية أكثر هدوءًا، واحضنيه بلطف حتى يستعيد توازنه.
استجيبي بسرعة ولكن بحزم وهدوء
تصرّفي فورًا، عندما يصرخ طفلك في الأماكن العامة، لا تتجاهليه، ولا تصرخي مقابله. تواصلي معه بصوت منخفض، واجلسي على مستواه. حاولي أن تلمسي كتفه أو تمسكي يده بلطف لإيصال شعور الأمان.
تُظهر الأبحاث في Positive Discipline Association أنّ التفاعل الجسدي الدافئ والتكلم بصوت هادئ يُخفض مستوى الشعور بالتوتر في جسم الطفل خلال أقل من ثلاث دقائق. لا تعاقبيه علنًا، بل احتويه، وعبّري عن تفهّمك مثل: “أعلم أنك تشعر بالغضب، وسنحل المشكلة معًا.”
علّميه التعبير عن مشاعره بكلمات بسيطة
اغتنمي الفرصة، إن كان طفلك يصرخ في الأماكن العامة، حوّلي الموقف إلى لحظة تعليمية. بعد أن يهدأ، اسأليه بهدوء: “هل كان من الأفضل أن تقول لي إنك غاضب بدلًا من أن تصرخ؟” ساعديه في فهم مشاعره، وعلّميه كلمات مثل: “أنا أشعر بالضيق، وأحتاج حضنًا، أو أنا لا أحب هذا.”
أظهرت دراسة من Harvard Graduate School of Education أن الأطفال الذين يتعلمون التعبير اللفظي عن مشاعرهم في عمر مبكر، تقل لديهم نوبات الغضب بنسبة 55%. لا تكتفي بإلقاء اللوم، بل درّبيه على اتباع البديل الإيجابي.
حضّريه مسبقًا قبل الخروج من المنزل
خططي مسبقًا. يصرخ طفلك, غالبًا لأنه لم يشعر بالأمان أو لم يفهم ما سيحدث. لذلك، أخبريه قبل الذهاب إلى أي مكان عن خطّة اليوم، وعن السلوك المتوقع منه. مثلًا: “سنذهب إلى السوبرماركت. سنشتري حاجاتنا، وإذا أردت شيئًا غير موجود في القائمة، سنتحدث عنه بهدوء.”
توصي الجمعية الأمريكية لعلم النفس بضرورة التحضير النفسي للطفل قبل الدخول إلى بيئات جديدة أو مزدحمة. يحبون يحب الأطفال التوقعات، ويكرهون المفاجآت التي تسلبهم شعور السيطرة. كلما شعروا بالتحكّم، قلت احتمالات الصراخ والانهيار.
كافئيه عند قيامه بالسلوك الجيد، لا فقط عند الوقوع بالخطأ
ثبّتي السلوك الإيجابي، لا تنتظري حتى يصرخ طفلك في الأماكن العامة لتبدأي بالتدخل. راقبي اللحظات التي تصرّف فيها بهدوء، وامتدحيها بكلمات محدّدة مثل: “أحببت كيف جلست بهدوء في المطعم، هذا رائع!” أو “أعجبني كيف أخبرتني بما تريد من دون صراخ.”
أظهرت نتائج من Institute for Applied Behavioral Science أنّ التعزيز الإيجابي يقلل من السلوكيات غير المرغوبة بنسبة تصل إلى 70%. يسعى الطفل الذي يسمع كلمات التقدير الى تكرار السلوك الجيد للحصول على الاعتراف والمحبة.
نستنتج أنّه عندما يصرخ طفلك في الأماكن العامة لا يكون هدفه إحراجك، بل هو طلب غير مباشر للشعور بالحب، والفهم، والأمان. تجاهلي نظرات الغرباء، وركّزي على طفلك. عامليه ككائن صغير يمرّ بعاصفة مشاعر لا يعرف كيف يتجاوزها.
امنحيه مساحتكِ، تواصلي معه بنبرة هادئة، وافهمي أسباب سلوكه. درّبيه على التعبير، وحضّريه قبل الخروج، وامدحي سلوكه الجيّد. ومع الوقت، ستلاحظين فرقًا كبيرًا في استجابته، وسينخفض عدد نوبات الغضب تدريجيًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسرار ضبط المشاعر لدى طفلكِ.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أعتبر أن التعامل مع صراخ الطفل في الأماكن العامة لا يُقاس بمدى السيطرة على سلوكه، بل بمدى حضورنا كأمهات واعيات، نُدرك مشاعره ونحترم إنسانيته. لا أحد يعلّمنا كيف نكون أمهات، لكننا نتعلّم من كل موقف نمرّ به، عندما يصرخ الطفل، يكون في قمة ضعفه، ويحتاج إلى أقوى حضور عاطفي منّا. أرى أن التوجيه المبني على مبدأ التفاهم والحب أكثر تأثيرًا من أي تهديد أو توبيخ. لذلك، لنُعدّل نظرتنا إلى الصراخ، ونحوّله إلى جسر تواصل لا جدار فصل.
