في الأيام الأخيرة، اجتاح تطبيق “تيك توك” مقطع يروّج لما سُمّي بـ”الحل السحري” لمشكلة نوم الرضّع المتقطع: إعطاؤهم ملعقة زبدة قبل النوم. تلقّى الفيديو ملايين المشاهدات، وتفاعل معه الآلاف من الآباء والأمهات المحرومين من النوم، باحثين عن راحة ولو مؤقّتة. ولكن، هل يمكن فعلًا لقطعة زبدة أن تحلّ مشكلة بيولوجية معقدة في أشهر الطفولة الأولى؟
في هذه التدوينة، نسلّط الضوء على حقيقة هذا الادعاء، بناءً على ما توصلت إليه الدراسات العلمية، ونكشف الأضرار الصحية المحتملة لإدخال الزبدة إلى غذاء طفل لم يُكمل ستة أشهر. نناقش أيضًا الأسباب البيولوجية الكامنة وراء استيقاظ الطفل المتكرر، ونتناول الآثار النفسية لحال الشعور بالإرهاق التي يعاني منها الأهل، وأخيرًا نوضّح لماذا لا يُفترض أن تستند قرارات الأمهات والآباء إلى ترند عابر.
أولًا: الزبدة لا تصلح لطفل دون ستة أشهر
يؤكّد أطباء الأطفال أن الجهاز الهضمي للرضيع دون الستة أشهر غير مهيّأ لهضم الزبدة، فهي غنية بالدهون المشبعة وتفتقر إلى أي قيمة غذائية مفيدة في هذه المرحلة العمرية. إدخالها باكرًا يعطّل التوازن البكتيري في أمعاء الطفل ويعرّضه لمخاطر صحية، أخطرها خطر الاختناق بسبب قوامها الكثيف. كما أنّ تقديم الزبدة على شكل “كتلة” يجعل الطفل عرضة للاختناق أكثر من أي طعام آخر، خاصة في غياب مهارات البلع الناضجة.

ثانيًا: ماذا تقول الأبحاث عن نوم الرضّع؟
علميًا، يُعَدّ الاستيقاظ الليلي المتكرر لدى الرضيع سلوكًا طبيعيًا خلال العام الأول. بحسب الأكاديمية الأميركية لطب النوم، تتكوّن أنماط النوم بشكل تدريجي، وتتأثر بالنمو العصبي والهرموني. لا يُعتبر الاستيقاظ الليلي اضطرابًا، بل علامة على تطور صحي في كثير من الأحيان. لذلك، محاولة “تنويم” الطفل بالطعام الدهني ليست حلًا علميًا، بل تدخّل غير مبرّر في وظيفة طبيعية.
ثالثًا: الترندات الرقمية تسوّق للوهم
تيك توك لا يملك دليلًا علميًا، بل يعتمد على روايات فردية. ينتج المحتوى غالبًا من معاناة شخصية، ويستغل حاجة الأهل لأي بصيص أمل. عندما يشاهد أب أو أم مرهقون فيديو يوهمهم بالحل السريع، ينجذبون إليه تلقائيًا، وتغيب عنهم ضرورة التحقّق. المشكلة تكمن في أنّ هذه الترندات تنتشر كالنار، وتُقنع الجمهور بأن الحل بسيط وسريع، بينما الحقيقة معقّدة وتتطلّب استشارة مختص.
رابعًا: الحل الحقيقي يبدأ من الفهم لا من الزبدة
على الأهل أن يفهموا أن قلة النوم هي جزء من مراحل نمو الرضيع، وأن التعامل مع هذه المرحلة يتطلّب دعمًا نفسيًا وأسريًا وليس وصفات عشوائية. بإمكانهم استشارة طبيب أطفال، تنظيم روتين ما قبل النوم، أو طلب دعم من المحيط العائلي، بدلًا من تعريض طفلهم للخطر اعتمادًا على فيديو عشوائي.
الزبدة ليست حلًا سحريًا، بل احتمال خطر يهدّد صحة رضيع لا يزال في بداية تكوينه. السهر مع الطفل مؤلم، نعم، ولكن اختصار الحل في مادة دهنية بلا قيمة غذائية يعكس هشاشة المعلومات المتداولة على المنصات الاجتماعية. لنحذر من التسرّع، ولنمنح قراراتنا التربوية بعض الوعي والبحث والتأنّي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ متى يصبح بكاء الطفل رسالة يجب أن تستمعي لها بعمق؟