إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب تظهر غالبًا في لحظات بسيطة لا ينتبه لها الشريكان. في بداية أي علاقة، يسيطر الشغف على المشهد، ويبدو كلّ شيء مشوّقًا ومليئًا بالحياة. ولكن، مع مرور الوقت، تبدأ هذه الطاقة بالتغيّر، لا بسبب مشكلة كبيرة، بل عبر تغيّرات صغيرة في السلوك والمشاعر. التراجع لا يحدث فجأة، بل يتسرّب بهدوء حتى يختفي الشعور بالانجذاب تدريجيًا ويتحوّل إلى فتور في العلاقة.
في هذا المقال، سنتعمّق في تحليل هذه الإشارات المبكرة بناءً على دراسات علمية موثوقة في علم النفس العاطفي. سنعرض الأسباب، والعلامات التحذيرية، ونتناول كيف يمكن التعامل مع هذه التغيّرات بشكل واعٍ.
التغيّر في مستوى التواصل
التواصل هو المرآة الأولى لأي انجذاب. حين يبدأ أحد الشريكين بالتقليل من الحديث، أو بإعطاء إجابات مقتضبة، أو بعدم الاهتمام بالتفاصيل التي كانت تهمّه سابقًا، فهذه من إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب. فبحسب دراسة نُشرت في Journal of Social and Personal Relationships، فإن التراجع في التفاعل اللفظي يُعتبر من أول المؤشرات على الفتور العاطفي، حتى قبل أن يظهر في المظاهر السلوكية الأخرى.
الكلمات تصبح محدودة، والنقاشات تتحوّل إلى روتين، وحتى الرسائل النصيّة تفقد دفئها. هذه العلامات لا تعني بالضرورة نهاية العلاقة، لكنها تستدعي الانتباه العاجل.
غياب المبادرة العاطفية
المبادرة تحيي الانجذاب بين الزوجين وتؤكّد الشغف. عندما يتوقّف أحد الطرفين عن مفاجأة الآخر، أو عن التعبير التلقائي عن مشاعره، يصبح الروتين هو السائد. هذا الغياب التدريجي للمبادرة – سواء بالكلمات الجميلة، أو بالمواقف الحنونة – يُعد من أهم إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب.
بيّنت دراسة أجراها Arthur Aron في جامعة نيويورك أنّ الأزواج الذين يشاركون بانتظام في ممارسة أنشطة جديدة ومثيرة معًا يحافظون على مشاعرهم بشكل أطول، مقارنة بمن يعيشون روتينًا مملًّا من دون تجديد أو مبادرة. لذا، غياب هذه الأنشطة أو حتى الرغبة فيها يجب أن يُدقّ له ناقوس الخطر.
التباعد الجسدي والعاطفي
اللمس العفويّ دليل حيّ على الانجذاب. في العلاقات الصحية، يتجسّد الحب من خلال اللمسات، والقرب الجسدي، والاهتمام بالنظرات. حين يبدأ الشريك بالابتعاد جسديًا، أو بتجنّب الاتصال البصري، أو يقلّل من العناق، فإن هذه التصرفات تعبّر غالبًا عن تراجع غير معلن في مشاعره.
بحسب Harvard Medical School، فإن التواصل الجسدي يحرّك إفراز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون الحب. وعندما يقلّ هذا التواصل، يتراجع الشعور بالترابط. لذلك، يمكن اعتبار هذا الانسحاب من أقوى إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب، خصوصًا عندما يتكرّر بلا مبرّر واضح.
التركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات
طريقة التفكير تعكس مستوى الانجذاب. حين يتحوّل تركيز الشريك إلى عيوب الطرف الآخر باستمرار، ويتجاهل كل الجوانب الجميلة التي لطالما أحبّها، فهذه إشارة مقلقة. الانتقاد المستمر، والمقارنات السلبية، والشكوى المفرطة ليست مجرد سلوكيات عابرة، بل تدلّ على تحوّل داخلي في المشاعر.
أشارت دراسة من جامعة كاليفورنيا إلى أن الأزواج الذين يركّزون على الجوانب الإيجابية عند النقاش والخلافات تكون علاقتهم أكثر استقرارًا. بينما التركيز على السلبيات يرتبط مباشرة بانخفاض الرضا العاطفي والانجذاب.
انخفاض التقدير والاهتمام بالمظهر
الاهتمام بالشكل يعكس احترام الذات والشريك. في بداية العلاقة، يسعى كل طرف إلى الظهور بأفضل صورة ممكنة. ولكن عندما يبدأ أحدهما بعدم الاهتمام بمظهره أمام الآخر، أو التصرّف بإهمال في حضوره، فإن ذلك يعكس تراجع الرغبة في الإعجاب أو الإبهار، وهو ما يُعَدّ من أبرز إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب.
هذا لا يعني أنّ الشغف مرهون بالجمال الخارجي، بل يرتبط بالاهتمام والحرص على نيل إعجاب الآخر. الإهمال المتكرّر يُفسّر نفسيًا كعلامة على تراجع الشعور بالحماسة في العلاقة، وفقًا لأبحاث Psychology Today.
عدم الاهتمام بمشاركة التفاصيل اليومية
المشاركة اليومية هي لغة غير منطوقة للحب. حين يتوقّف الشريك عن إخبارك بما حصل خلال يومه، أو لا يهتم بمعرفة يومك، فإن العلاقة تبدأ بفقدان عنصر التشارك. هذه اللامبالاة التدريجية تعبّر عن تباعد داخلي يصعب ملاحظته في البداية، لكنه مؤشر أساسي على فتور في الانجذاب.
فالعلاقات المتينة تعتمد على التفاصيل الصغيرة، والمحادثات العابرة، والنقاشات الصادقة، التي تبني مع الوقت تواصلًا عاطفيًا عميقًا بين الزوجين.
الحضور الجسدي مقابل الغياب الذهني
أن يكون بجانبك جسديًا لا يعني أنه حاضر معك فعلًا. عندما يكون الشريك موجودًا جسديًا، لكنّه منشغل ذهنيًا طوال الوقت – سواء بالهاتف أو الأفكار أو العمل – فإن الشعور بالتباعد يتزايد رغم القرب المكاني. هذه الحال هي من أخطر إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب، لأنها توهم الطرف الآخر بالارتباط بينما المشاعر تبدأ بالانسحاب داخليًا.
يصف علم النفس العاطفي هذا الانفصال بكونه “الحضور الصامت”، وهو أول مظاهر اللامبالاة التي تؤدّي إلى انهيار المشاعر لاحقًا.
في النهاية، لا يحدث فقدان الشغف فجأة. بل يبدأ من ملامح خفيّة، من تصرفات صغيرة تتكرّر حتى تتحوّل إلى نمط. إن فهم إشارات مبكرة لتراجع الانجذاب يُعدّ خطوة أساسية للحفاظ على العلاقات العاطفية قبل أن تصل إلى طريق مسدود.
هذه الإشارات ليست بالضرورة نهاية العلاقة، لكنّها دعوة للتأمّل، والمصارحة، والعودة إلى جذور الحب التي بدأت بها القصة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وطرحنا عليكِ سؤال: هل تسامحين شريكك لأنك قوية.. أم لأنك تعبتِ من المقاومة؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الانتباه المبكر لهذه الإشارات هو نوع من الذكاء العاطفي الذي ينقص الكثير من العلاقات. لا يكفي أن نحبّ، بل علينا أن نحافظ على هذا الحب. والتراجع لا يجب أن يُقابل بالإهمال، بل بالتفهّم والتواصل. وحدها العناية اليومية بالعلاقة تُبقي الشغف حيًا، مهما طال الزمن.
