تُعاني الأمهات بعد الولادة من تحديات جسدية ونفسية، وتأتي قلة النوم على رأس هذه المشاكل. الاستيقاظ المتكرر، والرضاعة الليلية، وتغير هرمونات الجسم، جميعها عوامل تؤثر مباشرةً على جودة الراحة التي تحتاجينها. لا يتعلق الأمر بالشعور بالتعب والإرهاق فقط، بل يمكن أن يؤثر هذا الإرهاق المزمن على صحتكِ النفسية، ومناعتكِ، وحتى علاقتكِ بالمحيطين بكِ.
في هذا المقال، نشرح لكِ كيف تتعاملين مع قلة النوم بعد الولادة وتحصلين على الراحة التي تحتاجينها بطريقة علمية وعملية. سنناقش الأسباب الشائعة لهذه الحال، والحلول المدعومة بالأبحاث. كما سنقدّم نصائح مجرّبة من الأمهات، إضافةً إلى استراتيجيات تساعدكِ على التعافي واستعادة توازنكِ الصحي والنفسي.
1- افهمي أسباب قلة النوم بعد الولادة
لا تُعَدّ قلة النوم بعد الولادة مجرّد صدفة، بل ناتجة عن تغييرات بيولوجية وسلوكية. بعد الولادة مباشرة، يتغير مستوى الهرمونات مثل الأوكسيتوسين والبروجسترون. هذا التغير يؤثّر على ساعة جسمكِ البيولوجية ويجعلكِ أكثر عرضة للقلق والأرق.

في الوقت نفسه، يحتاج الطفل إلى رعاية مستمرة كل ساعتين أو ثلاث، ما يعني أن نومكِ المتقطع يصبح نمطًا يوميًا. إضافةً إلى ذلك، الشعور بالمسؤولية الجديدة، والخوف على صحة الرضيع، جميعها مشاعر تؤدي إلى الشعور بتوتر وقلق داخلي يمنعكِ من النوم العميق.
دعمًا لذلك، نشرت الأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM) تؤكّد دراسة أن 75% من الأمهات الجدد يعانين من اضطرابات نوم في الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة.
2- اتبعي استراتيجيات النوم الذكي
تستطيعين تحسين نومكِ ولو لوقت قصير عبر اعتماد استراتيجيات فعالة. أولًا، نامي عندما ينام الطفل، حتى لو كان وقتًا غير معتاد. لا تهملي هذه الفرصة مهما بدت قصيرة، لأنّها تساعد في تجميع طاقة ولو جزئية.
ثانيًا، اطردي مصادر الإزعاج من الغرفة: الهاتف، والإضاءة الزائدة، أو التلفاز. حافظي على غرفة نومكِ بيئة مريحة وهادئة، تساعد على تهدئة الجهاز العصبي.
ثالثًا، مارسي تمارين التنفس قبل النوم. أظهرت أبحاث نُشرت في Frontiers in Psychology عام 2022 أنّ المثابرة على أداء تمارين التنفس العميق تقلّل من إفراز الكورتيزول، هرمون التوتر. ممّا يساعد الجسم على الدخول في نوم أسرع وأكثر استقرارًا.
3- استعيني بالدعم العائلي والمهني
لا تخجلي من طلب المساعدة. وجود شريك داعم أو أحد أفراد العائلة في المهام اليومية مثل تغيير الحفاض أو تهدئة الطفل ليلًا، يمنحكِ فرصة ثمينة للراحة.

كذلك، فكّري في استشارة نختصّة في الرضاعة الطبيعية أو أخصائية في نوم للأطفال. كثير من الأمهات لا يعرفنَ أنّ بعض الأطفال يحتاجون إلى تعديل نمط نومهم بطرق علمية تساعد أيضًا الأم على النوم بشكل أفضل.
حسب دراسة أجرتها Sleep Health Journal عام 2018، فإن الأمهات اللواتي تلقّين دعمًا خارجيًا من الممرّضات أو المستشارات النفسيات، تمكنّ من استعادة نمط نوم طبيعي بعد 8 أسابيع مقارنة بمن لم يتلقينَ هذا الدعم.
4- نظّمي تغذيتكِ اليومية
تؤدّي التغذية السليمة دورًا أساسيًا في تحسين نوعية النوم. تجنّبي تناول الكافيين بعد الظهر، واختاري أطعمة غنية بالمغنيسيوم مثل اللوز، والسبانخ، والموز، فهي تساهم في تهدئة الأعصاب وتعزيز النوم.
كذلك، احرصي على تناول البروتينات المعقدة مثل البيض والشوفان على الفطور، فهي تمنحكِ طاقة ثابتة خلال النهار وتمنعكِ من الشعور بالهبوط الذي يزيد التوتر عند المساء.
أثبتت دراسة نُشرت في Journal of Clinical Sleep Medicine أن تناول وجبة خفيفة غنية بالبروتين والمغنيسيوم قبل النوم ساعد على تحسين النوم بنسبة 35% لدى الأمهات المرضعات.
5- اعتني بنفسكِ عاطفيًا
تؤدّي الصحة النفسية دورًا كبيرًا في نوعية النوم. خصّصي وقتًا لنفسكِ كل يوم، ولو لبضع دقائق. اكتبي يومياتكِ، استمعي إلى موسيقى مريحة، أو مارسي المشي الهادئ.

تجنبي الشعور بالذنب بسبب التعب. كل أم تمرّ بهذه المرحلة. المهم هو إدراك التحدي، والسعي لإيجاد حلول تناسبكِ وتنسجم مع ظروفكِ.
كيف تتعاملين مع قلة النوم بعد الولادة وتحصلين على الراحة التي تحتاجينها؟ هذا ليس مجرد سؤال. بل خطة عملية قابلة للتنفيذ، تبدأ بخطوة صغيرة: أن تعترفي بأنكِ بحاجة للراحة، وتستحقيها.
الخلاصة
في نهاية هذه الرحلة معكِ، نكرّر طرج السؤال: كيف تتعاملين مع قلة النوم بعد الولادة وتحصلين على الراحة التي تحتاجينها؟ باتباع استراتيجيات مدروسة. نامي مع طفلكِ، واستعيني بالمقربين، ونظّمي يومكِ وغذاءكِ، ولا تهملي صحتكِ النفسية.
كل خطوة تتخذينها نحو تحسين نومكِ، تنعكس إيجابًا على طفلكِ، وعلاقتكِ بشريككِ، وصورتكِ الذاتية كامرأة قوية وواعية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن افضل مكمل غذائي بعد الولادة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن الراحة النفسية تبدأ من الاعتراف بأن الأمومة ليست بطولة بلا تعب. بل هي رسالة تحتاج توازنًا بين العطاء والعناية بالنفس. الأم القوية ليست تلك التي تسهر ليالي بلا توقف، بل التي تعرف متى تتوقف لتلتقط أنفاسها. لا تخجلي من طلب المساعدة، فطلب الدعم لا يُنقص من قيمتكِ بل يعكس وعيكِ وحرصكِ على الاستمرار بعطاء مستدام. ولا تهملي صوت جسدكِ حين يطلب النوم، لأن الإرهاق المتراكم قد يحوّلكِ إلى نسخة مُتعبة من نفسكِ، فتخسرين صحتكِ ومزاجكِ وحتى علاقتكِ مع طفلكِ. عندما تنامين بسلام، يستفيد كل من حولكِ من طاقتكِ المتجددة، وتتمكنين من منح الحب والرعاية بجودة أعلى وإحساس أعمق.