في العلاقات الزوجية، المبادرة لا تضعفك.. بل تقوّي أساس علاقتكما، وتزيد من ترابط المشاعر بينكما. يظن البعض أنّ من يبادر هو الطرف الأضعف، بينما تظهر الدراسات النفسية أنّ الشخص المبادر يتمتع بدرجة أعلى من النضج العاطفي والوعي الذاتي. فالمبادرة لا تعني ضعفًا، بل تدل على الرغبة في إنقاذ المشاعر وتقوية العلاقة بالنصف الثاني.
في هذا المقال، نبدأ أولًا بتوضيح مفهوم المبادرة في العلاقات من وجهة نظر علم النفس. بعد ذلك، نعرض فوائدها على الصحة النفسية والاستقرار العاطفي. ثم بعد ذلك، ننتقل إلى شرح الأسباب التي تمنع بعض الأشخاص من اتخاذها. وأخيرًا، نقدّم نصائح عملية تساعدكِ على اتخاذ المبادرة بثقة، ومن دون أن تشعري بالخذلان أو التنازل.
1- المبادرة لا تضعفك
بكل وضوح، المبادرة لا تضعفك.. بل تقوّي أساس علاقتكما، لأنها ببساطة تعبّر عن رغبتكِ في تحسين الواقع، بدلًا من أن تنتظري التغيير من الطرف الآخر. في هذا السياق، نشرت مجلة Journal of Social and Personal Relationships دراسة حديثة، وبيّنت من خلالها أن الأشخاص الذين يبادرون في علاقاتهم يُظهرون مستوى أعلى من الذكاء العاطفي. كما أنّهم يمتلكون قدرةً أكبر على التفاوض البنّاء.

وتؤكّد أبحاث علم النفس الإيجابي أنّ المبادرة لا ترتبط بالتنازل، بل بالقيادة العاطفية. فحين تأخذين خطوة نحو الحوار أو المصالحة، أنتِ تمارسين دورًا نشطًا في حماية العلاقة، ممّا يمنحكِ قوة داخلية وثقة بالنفس.
2- لماذا تقوّي المبادرة العلاقة الزوجية؟
في هذا الجزء، نسلّط الضوء على الفوائد الفعلية للمبادرة في العلاقات.
أولًا، تساعد المبادرة على كسر الجمود العاطفي. كثير من الأزواج يمرّون بفترات من الصمت والتباعد، والمبادرة تعيد فتح قنوات التواصل. ثانيًا، تُظهر للطرف الآخر أنكِ تهتمين بالعلاقة وتقدّرين قيمتها.
فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة من جامعة هارفارد عام 2018 أنّ العلاقات التي يتبادل فيها الطرفان المبادرة تُحقق استقرارًا أكبر بنسبة 40%. وفي المقابل، تصبح العلاقات التي ينتظر فيها كل طرف تحرّك الآخر أقل توازنًا وأكثر عرضةً للتوتر.
وأيضًا، تعزّز المبادرة الشعور بالأمان، كما تمنح العلاقة مرونة أكبر في مواجهة الأزمات. وذلك لأنّها تبني أرضية ثابتة من الحوار والانفتاح، بدلًا من ترك المشاعر المكبوتة تتراكم وتُضعف العلاقة.
3- ما الذي يمنع المرأة من المبادرة؟
في هذا الجزء، نتطرّق إلى الأسباب الشائعة التي تجعل المرأة تتردّد في اتخاذ الخطوة الأولى.

في كثير من الأحيان، تدرك النساء أهمية المبادرة. مع ذلك، يمنعهنّ الخوف من الرفض أو التهميش من اتخاذ الخطوة الأولى. وفي بعض الحالات، تشعر المرأة أن المبادرة تعبّر عن ضعف. وأحيانًا، تظنّ أنها تتنازل عن كرامتها حين تبادر. بالإضافة إلى ذلك، تتردّد أكثر عندما تبادر وحدها مرارًا. خاصّةً إذا لاحظت أن الطرف الآخر لا يستجيب، ولا حتّى يبادلها أيّ اهتمام. وبسبب ذلك، تشعر بالإحباط وتتراجع عن المحاولة.
لكنّ الدراسات النفسيّة تؤكّد أنّ سبب هذا التردّد يعود في كثير من الأحيان إلى أنماط تنشئة اجتماعية زرعت فينا فكرة أن “الرجل هو من يجب أن يبادر”. وقد أظهرت دراسة من American Psychological Association أن النساء اللواتي يتجاوزنَ هذا الحاجز يشعرن بتحسّنٍ في جودة علاقاتهنَّ بنسبةٍ تصل إلى 60%.
4- كيف تبادرين من دون أن تشعري بالتنازل؟
هنا نضع خطوات عملية للمبادرة الذكية التي تحترم ذاتكِ وتُصلح علاقتكِ.
أولًا، اختاري التوقيت المناسب. لا تبادري أثناء الشعور بالغضب أو التوتّر. انتظري حتّى تهدأ المشاعر لتبدئي الحوار بلغة هادئة.
ثانيًا، استخدمي العبارات التي تعبّر عن احتياجاتكِ بدون اتّهام. بدلًا من أن تقولي “أنت لا تهتم بي”، قولي “أحتاج أن أشعر بأنك موجود إلى جانبي”.
ثالثًا، لا تتوقّعي نتيجة فوريّة. المبادرة ليست سحرًا، بل هي خطوة تُعبِّر عن رغبتكِ في التقارب، وقد تحتاج إلى وقت حتى تُثمر.
وأخيرًا، لا تربطي بين قيمة نفسكِ وردة فعل الشريك. فكونه لا يستجيب في البداية لا يعني أن مبادرتكِ كانت خطأ.
5- ماذا تقول العلوم العصبية والعاطفية؟
نختم بزاوية علمية حول أثر المبادرة على الدماغ والعاطفة.

تشير دراسات في علوم الأعصاب الاجتماعية إلى أن أخذ المبادرة يفعل مناطق في الدماغ مرتبطة بالتعاطف، ويقلّل من إفراز هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر. كذلك، المبادرة تُنشّط إفراز الأوكسيتوسين، وهو هرمون الترابط والثقة. ممّا يعزّز من الشعور بالتواصل العاطفي بين الزوجين.
تشير الباحثة “باربرا فريدريكسون”، صاحبة نظرية “توسيع وبناء العواطف الإيجابية”، إلى أن التصرّفات الصغيرة مثل البدء بالمصافحة، أو إرسال رسالة لطيفة، يمكن أن تُحدث تغييرات كبيرة في المزاج العام للعلاقة وتبني حلقات من المشاعر الإيجابية المستمرة.
الخلاصة
في النهاية، المبادرة لا تضعفك.. بل تقوّي أساس علاقتكما، بل وأكثر من ذلك، تعزّز وعيكِ بنفسكِ وبالشخص الذي تحبينه. ولهذا السبب، لا تنتظري اللحظة المثالية، ولا حتى ردّ الفعل المثالي. ببساطة، اختاري أن تحافظي على العلاقة، ثم بعد ذلك، بادري بخطوة صادقة تُعيد الدفء بينكما. وبهذه الطريقة، تفتحين بابًا جديدًا للحوار والتفاهم، بدلًا من ترك المسافة تكبر وتُرهق قلبكِ.
المبادرة فعل من أفعال الشجاعة، ليست دليل ضعف بل دليل نضج. وكل علاقة ناجحة تقوم على شخص لا يخاف أن يُبادر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن 3 أخطاء نرتكبها في العلاقة الزوجية كل يوم من دون أن نلاحظ.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى بوضوح أن المبادرة لا تُنقص من قيمتي كامرأة، بل على العكس، تعزّز إدراكي لذاتي. لذلك، أشعر دائمًا أنني أتحكّم بمسار حياتي العاطفية. في كل مرة، لا أنتظر الظروف كي تتغيّر، بل أتحرّك وأصنع هذا التغيير بنفسي. فوق ذلك، لا أجد أي عيب في أن أكون الطرف الذي يبدأ. على العكس، أعتبر هذه الخطوة دليل وعي ونضج. والأهم من ذلك، أحرص في كل مبادرة على أن أكون صادقة مع نفسي، حقيقية في مشاعري، ومخلصة لما أؤمن به من قيم الحب والتفاهم.