مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل.. هل تؤثر فعلًا على الطفل؟ هذا السؤال يُطرح كثيرًا بين النساء الحوامل، خصوصًا مع تزايد الوعي بأهمية تعزيز الصحة النفسية خلال هذه المرحلة الحساسة. تُعدّ فترة الحمل أكثر المراحل تأثيرًا على نمو الجنين، ليس فقط من الناحية الجسدية، بل النفسية أيضًا. لذلك، يجب أن نفهم كيف تؤثر هذه المشاعر على الطفل داخل الرحم، وما الذي يمكن أن تفعله الأم لحماية صغيرها من هذه الانفعالات.
في هذا المقال، نناقش بعمق تأثير مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل وتأثيرها على الجنين. سنستعرض النتائج العلمية التي توصلت إليها الأبحاث، ونوضح آثار هذه المشاعر على الدماغ، والقلب، والنفسية، وحتى الولادة. وسنقدّم نصائح عملية لتقليل هذا التوتر، حفاظًا على صحة الأم والجنين.
1- الدماغ أول المتأثرين
في البداية، أثبتت الأبحاث أنّ الشعور بالتوتر والضغط النفسي الشديد خلال الحمل يترك أثرًا واضحًا على نمو دماغ الجنين. على سبيل المثال، بيّنت دراسة نُشرت في مجلة JAMA Network Open عام 2020، أن الأطفال الذين تعرّضت أمهاتهم لمستويات عالية من التوتر كانت لديهم روابط عصبية أضعف بين أجزاء الدماغ المسؤولة عن الانتباه، والسلوك، والوظائف التنفيذية.

إذًا، تتأثر مناطق حساسة في الدماغ بشكل مبكر، ما قد يؤدّي إلى مواجهة مشاكل في التركيز أو التحكّم في السلوك لاحقًا. هذا التأثير ليس لحظيًا فقط، بل قد يستمر إلى ما بعد الولادة وحتى البلوغ.
2- القلب أيضًا يتأثر
ثمّة علاقة قوية بين الغضب وسرعة نبضات القلب لدى الأم. هذه العلاقة تمتدّ لتشمل الجنين. فحين تشعر الحامل بالغضب، يفرز جسمها هرمونات التوتر، مثل الكورتيزول والأدرينالين. هذه الهرمونات تعبر المشيمة وتصل إلى الجنين، ممّا يؤدي إلى تسارع نبضات قلبه.
أظهرت دراسة بريطانية سابقة أن الأطفال الذين تعرّضوا لهذه الهورمونات خلال الحمل، يعانون من مشاكل قلبية ومعدلات أعلى من التوتر عند الرضع. ببساطة، الغضب لا يبقى داخل الأم، بل يسري في جسد طفلها أيضًا.
3- ولادة مبكرة وعوارض جسدية
إضافةً إلى ذلك، تؤدّي مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل إلى زيادة احتمال الولادة المبكرة. لماذا؟ لأن الجسم، تحت تأثير الضغط النفسي، يفرز مواد تؤثر على عضلات الرحم والمشيمة. هذا قد يؤدي إلى انقباضات مبكرة، وتمزّق الأغشية، وبالتالي حدوث ولادة قبل الموعد.

بحسب موقع “الطبي”، النساء اللواتي يعانين من قلق شديد في الثلث الأخير من الحمل يواجهن خطرًا مضاعفًا للولادة المبكرة. وهذه الولادات ترتبط بمضاعفات، كضيق التنفّس، وانخفاض الوزن، وضعف المناعة لدى الطفل.
4- التأثير طويل الأمد بعد الولادة
المشكلة لا تنتهي بعد الولادة. في الواقع، قد يواجه أطفال الأمهات اللواتي اختبرن مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل آثارًا نفسية طويلة الأمد. هناك أدلة على أنّ هذه الأطفال أكثر عرضة للقلق، واضطراب فرط الحركة، والتأخر اللغوي والسلوكي.
مثلًا، تابعت دراسة فنلندية أطفالًا لمدى ثلاثين عامًا، أظهرت أن الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم لتوتر نفسي كبير أثناء الحمل كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الشخصية والاكتئاب في مراحل لاحقة من حياتهم.
هذا يعني أن التجربة النفسية للأم تُخزَّن في ذاكرة الجنين بشكلٍ غير مباشر. كما تظهر على شكل اضطرابات نفسية أو اجتماعية لاحقًا.
5- كيف يمكن الحد من هذه المشاعر؟
مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل.. هل تؤثر فعلًا على الطفل؟ لحسن الحظ، هناك خطوات عملية يمكن لكل امرأة اتّخاذها للسيطرة على مشاعرها السلبيّة. فالتأثير قابل للتخفيف عبر خطوات بسيطة وفعّالة:

- المشي بانتظام: المشي في أماكن مفتوحة كفيل بتقليل التوتر اليومي.
- تنظيم النوم: النوم الجيد يعيد التوازن الهرموني ويُريح الجهاز العصبي.
- الابتعاد عن مصادر الضغط: سواء كانت أشخاصًا أو مهامًا مرهقة.
- الدعم النفسي: التحدث مع اختصاصية نفسية أو الانضمام إلى مجموعات دعم.
- الاسترخاء اليومي: جلسة تنفس عميق، أو استماع لموسيقى هادئة، أو قراءة.
إنّ الاهتمام بهذه الجوانب يعزّز الصحة النفسية للأم، ويمنح الجنين بيئة مستقرة وآمنة.
الخلاصة
مشاعر الغضب والتوتر أثناء الحمل.. هل تؤثر فعلًا على الطفل؟ نعم، وللأسف تأثيرها عميق وطويل الأمد. فقد تؤثر على دماغ الجنين، وقلبه، وولادته، وحتى صحته النفسية مستقبلًا. لهذا السبب، من الضروري التعامل مع هذه المشاعر بوعي وجدية، وبخطوات عملية يومية.
إن الهدوء الذي تعيشه الأم، ينعكس مباشرة على راحة طفلها ونموه السليم. والعكس صحيح. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن 3 أشياء تؤثر على الجنين من دون أن تنتبهي.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن العناية بالصحة النفسية أثناء الحمل يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من الرعاية الصحية، تمامًا كما نراقب ضغط الدم أو مستوى الحديد. لا يجب أن تتجاهل المرأة مشاعرها أو تقلّل من شأنها. كل مشاعر تمر بها، ويسمعها طفلها، ويشعر بها، ويتأثر بها. وبتخصيص وقت يومي للحفاظ وتعزيز الراحة النفسية، تكون الأم قدّمت لطفلها أفضل هدية قبل حتى أن يولد: بيئة آمنة، ومستقرة، ومليئة بالحب والأمان.