ماذا يحدث لهرموناتكِ في كل مرحلة من الحمل؟ سؤالٌ يثير فضول كلّ امرأة تدخل تجربة الأمومة. منذ اللحظة الأولى للحمل، يبدأ جسمكِ سلسلةً من التغيّرات الهرمونية المتتابعة التي تهيّئ الرحم لاحتضان الجنين، وتدعم نموّه، وتُحضّر جسمكِ نفسيًّا وجسديًّا لمرحلة الولادة والرضاعة. هذه التغيّرات ليست بسيطة، بل هي منظومة متكاملة من الرسائل الكيميائية التي تنظم الدورة الدموية، والشهية، والطاقة، وتحسين المزاج. فهم هذه التغيّرات يساعدكِ على التعامل مع العوارض الشائعة بثقة وطمأنينة.
في هذا المقال، سنتناول ماذا يحدث لهرموناتكِ في كل مرحلة من الحمل؟ بشكلٍ علمي وعملي. سنبدأ بشرح التغيرات المفاجئة في الثلث الأول، ثم ننتقل إلى مرحلة الاستقرار في الثلث الثاني، وصولًا إلى ذروة النشاط الهرموني في الثلث الثالث. كما سنناقش الهرمونات المساندة التي تؤدي أدوارًا مهمّة في الحمل، وأخيرًا نعرض لكِ ما يحدث بعد الولادة عند بدء الرضاعة.
التغيرات الهرمونية في الثلث الأول
في الثلث الأول، تحدث قفزة هرمونية كبيرة ومفاجئة. يفرز جسمكِ هرمون موجهة الغدد التناسلية المشيمائية hCG بكميات مرتفعة منذ لحظة انغراس البويضة المخصبة. هذا الهرمون يحافظ على الجسم الأصفر في المبيض ليستمر في إنتاج هرمونَي البروجسترون والإستروجين. هذان الهرمونان يحافظان على بطانة الرحم سميكة وغنية بالدم لتغذية الجنين.
خلال هذه المرحلة، يزداد معدّل البروجسترون فيؤدي إلى ارتخاء عضلات الرحم، ما يمنع حدوث تقلصات مبكرة. كذلك يساهم في إبطاء حركة الأمعاء ما يفسّر شعوركِ بالإمساك. أما الإستروجين فيساعد على نمو الرحم وتطوّر الأوعية الدموية فيه. كما يحفّز الغدد الثدييّة ويؤدي إلى زيادة تدفّق الدم، ما يفسّر الإحساس بألم الثديين خلال فترة الحمل.
الاستقرار والنمو في الثلث الثاني
يُعرَف الثلث الثاني بأنه المرحلة الأكثر استقرارًا وراحةً بالنسبة لمعظم النساء. هنا يبدأ مستوى hCG بالانخفاض تدريجيًّا، ما يقلّل بشكل ملحوظ من عوارض الغثيان والتقيؤ التي كانت مزعجة في الأسابيع الأولى. مع هذا الانخفاض، تستعيدين شهيتكِ تدريجيًّا وتشعرين بطاقة أكبر، ما يسمح لكِ بالاستمتاع بالحمل بشكل أفضل. في المقابل، يستمر البروجسترون والإستروجين بالارتفاع ولكن بشكل متوازن ومنظّم، الأمر الذي يدعم نمو المشيمة بشكل كامل، وهي العضو المسؤول عن نقل الأكسجين والمواد الغذائية إلى الجنين، وتتولّى إنتاج الهرمونات بنفسها ابتداءً من الأسبوع العاشر تقريبًا.
في هذه الفترة، يزداد تدفّق الدم في جسمكِ بنسبة قد تصل إلى 30٪ مقارنةً بفترة ما قبل الحمل، وهذا التحسّن في الدورة الدموية يمنح بشرتكِ مظهرًا متوهّجًا يعرف بـ”توهّج الحمل”. كما يبدأ هرمون الريلاكسين بالارتفاع تدريجيًّا، وهو هرمون أساسي يساهم في تليين الأربطة والمفاصل استعدادًا لتوسّع الحوض عند الولادة، لكنه قد يجعلكِ أكثر عرضة لآلام الظهر أو إصابات المفاصل إن لم تحرصي على الحركة بطريقة آمنة. إضافةً إلى ذلك، يزداد إنتاج الهرمونات الدرقية قليلًا لدعم زيادة معدل الأيض وتأمين الطاقة اللازمة لنمو الجنين السريع، خصوصًا نمو الدماغ والجهاز العصبي. كذلك، ترتفع مستويات الأنسولين لتعويض مقاومة الجسم له، الأمر الذي يستدعي متابعة سكر الدم بانتظام خصوصًا لدى النساء الأكثر عرضة للإصابة بسكري الحمل.
ذروة النشاط الهرموني في الثلث الثالث
مع دخولكِ الثلث الثالث، يبلغ البروجسترون والإستروجين أعلى مستوياتهما في جسمكِ. هذا الارتفاع يؤدّي إلى احتباس السوائل أحيانًا، ما يفسّر التورّم الخفيف في القدمين واليدين خصوصًا في نهاية اليوم. كذلك قد تلاحظين زيادة في وزن الجسم ليس فقط بسبب نمو الجنين، بل أيضًا بسبب زيادة حجم الدم والسوائل داخل الأنسجة. كما يزداد إنتاج هرمون البرولاكتين الذي يهيّئ الثديين لإنتاج الحليب ويحفّز الغدد الثديية على النمو استعدادًا للرضاعة الطبيعية.
إضافةً إلى ذلك، يبدأ جسمكِ بزيادة إفراز هرمون الأوكسيتوسين قرب نهاية الحمل. هذا الهرمون لا يقتصر دوره على تحفيز انقباضات الرحم أثناء المخاض، بل يعزّز أيضًا الترابط العاطفي بينكِ وبين جنينكِ حتى قبل الولادة. كما يرتفع هرمون الريلاكسين أكثر في هذه المرحلة ما يزيد مرونة الأربطة والمفاصل لتسهيل مرور الجنين عبر قناة الولادة. كل هذه التغيرات الهرمونية تعمل بتناغم عالٍ لتجهيز جسمكِ نفسيًّا وجسديًّا للولادة، وتؤهّلكِ لخوض تجربة المخاض بثقة واستعداد كامل.
دور الهرمونات المساندة
لا تقتصر التغيرات على الهرمونات الأساسية فقط. تؤدّي الغدة الكظرية دورًا مهمًّا بإفراز الكورتيزول الذي يساعد على نضوج رئتي الجنين. كذلك يُفرز جسمكِ كميات متزايدة من الإنسولين استجابةً لمقاومة الأنسجة للجلوكوز، ما يفسّر الحاجة لمراقبة سكر الدم لتجنّب سكري الحمل. كما يشارك هرمون النمو المشيمي في زيادة توفّر العناصر الغذائية للجنين. هذه الهرمونات المساندة تجعل الحمل عملية متكاملة لضمان أفضل بيئة للنمو.
ما بعد الولادة وبداية الرضاعة
بعد الولادة مباشرة، تنخفض مستويات البروجسترون والإستروجين بسرعة كبيرة، ما يتيح لهرمون البرولاكتين السيطرة وتحفيز إنتاج الحليب. في الوقت نفسه، يُفرز الأوكسيتوسين أثناء الرضاعة ما يسهّل إخراج الحليب ويعزّز الترابط العاطفي مع طفلكِ. هذه التغيرات الهرمونية قد تؤثّر على حالتكِ النفسية، ولهذا تُلاحظ بعض النساء تقلّبات مزاجية أو ما يُعرف باكتئاب ما بعد الولادة.
من الواضح أنّ فهم ماذا يحدث لهرموناتكِ في كل مرحلة من الحمل؟ يقدّم لكِ وعيًا أفضل بما يمرّ به جسمكِ خلال تسعة أشهر استثنائية. كل هرمون يعمل بدقّة متناهية لتحقيق توازن يضمن سلامتكِ وسلامة جنينكِ. هذه المعرفة تساعدكِ على مراقبة العوارض وطلب المساعدة الطبية عند الحاجة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أضرار القهوة للحامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الاطلاع على التغيرات الهرمونية خلال الحمل يوفّر طمأنينة كبيرة للمرأة ويجعلها أكثر استعدادًا للتعامل مع كل مرحلة بهدوء. كما أن فهم العوارض الناتجة عن هذه الهرمونات يقلّل القلق ويعزّز ثقة الأم بنفسها. أنصح كل امرأة بقراءة ومتابعة مصادر طبية موثوقة طوال فترة الحمل لتبقى على دراية بما يحدث داخل جسمها وتستمتع بتجربة أمومتها بثقة وسلام.
