تُعَدّ المعاناة من ضيق التنفس للحامل من أكثر العوارض شيوعًا التي تعانيها النساء أثناء الحمل. تظهر هذ المشكلة غالبًا منذ الثلث الثاني وتزداد وضوحًا مع تقدّم الحمل. تشعر الحامل أحيانًا بعدم القدرة على أخذ شهيق عميق أو تتنفّس بسرعة بعد بذل مجهود بسيط. هذا الإحساس يثير الشعور بالقلق، خصوصًا إن ترافق مع عوارض أخرى.
ولكي يكون الموضوع واضحًا، سنشرح التغيّرات الطبيعيّة التي تسبّب ضيق التنفس، ثم نوضّح الحالات المرضيّة الخطيرة، ونقدّم العلامات التي تستدعي تدخّلًا عاجلًا. بعد ذلك نعرض أهم وسائل التشخيص، ونختم بخطوات عمليّة للتخفيف من هذا العرض في المنزل.
التغيرات الطبيعيّة أثناء الحمل
في معظم الحالات، يكون ضيق التنفس للحامل نتيجة تغيّرات طبيعيّة. مع تقدّم الحمل، يزداد حجم الرحم ويرتفع الحجاب الحاجز قليلًا، فيقلّ حجم الرئة المتاح للتمدّد. يزداد أيضًا حجم الدم، فتحتاج الأم إلى أوكسجين أكثر لضخّه إلى الجنين. لذلك تشعر الحامل بأن تنفّسها أسرع وأعمق من المعتاد.

إضافةً إلى ذلك، تؤدّي الهرمونات دورًا مهمًّا، خصوصًا هرمون البروجسترون، إذ يحفّز مركز التنفّس في الدماغ ويجعل التنفّس أعمق. هذه الآلية مفيدة لأنّها تزيد تزويد الجنين بالأوكسجين. هذا النوع من ضيق التنفس طبيعي ولا يشكّل خطرًا إذا لم يرافقه ألم أو سعال أو ازرقاق في الشفاه.
الأسباب المرضيّة المحتملة
مع ذلك، قد يشير ضيق التنفس للحامل أحيانًا إلى حال مرضيّة تحتاج تقييمًا. فالإصابة بفقر الدم مثلًا تقلّل قدرة الدم على نقل الأوكسجين، ما يسبّب تعبًا شديدًا وخفقان قلب متسارع. كذلك يمكن أن يكون السبب التهابًا رئويًّا أو أزمة ربو غير مضبوطة، ما يؤدّي إلى صفير وسعال مستمرّ.
كما يجب الحذر من الجلطات الرئويّة، وهي حال طارئة قد تظهر فجأة مع ألم حاد في الصدر أو تورّم في الساقين. هذه الحالات تتطلّب تدخّلًا طبيًّا عاجلًا لتجنّب مضاعفات تهدّد حياة الأم والجنين.
العلامات التحذيريّة
هناك علامات يجب الانتباه إليها واستشارة الطبيب فورًا عند ظهورها. من هذه العلامات:

- ضيق نفس مفاجئ يزداد بسرعة.
- ألم قوي في الصدر عند التنفّس.
- خفقان غير منتظم أو تسارع شديد في عدد ضربات القلب.
- ازرقاق الشفاه أو أطراف الأصابع.
- سعال مصحوب بدم أو حرارة مرتفعة.
إنّ ظهور هذه العلامات يشير غالبًا إلى مشكلة رئويّة أو قلبيّة خطيرة. التدخّل السريع يمنع المضاعفات ويضمن سلامة الحمل.
كيفيّة التشخيص والتقييم الطبي
عند مراجعة الطبيب، يبدأ التقييم بأخذ تاريخ مرضي دقيق: متى بدأ ضيق التنفّس؟ هل يزداد عند الراحة أم عند الحركة؟. بعدها يقوم بفحص سريري شامل للقلب والرئتين. غالبًا تُجرى تحاليل دم للكشف عن فقر الدم أو التهابات.
قد يطلب الطبيب صورة صدر شعاعيّة بجرعة آمنة للحامل، أو تصوير دوبلر للساقين إذا كان هناك شك بوجود جلطة. في بعض الحالات يلجأ إلى تخطيط القلب أو إيكو القلب للتحقّق من عمل الصمّامات وضغط الشريان الرئوي. هذه الخطوات تساعد على تشخيص الحال بدقّة واختيار العلاج المناسب.
طرق التخفيف والرعاية المنزليّة
لتخفيف ضيق التنفس الطبيعي، يمكن للحامل اتّباع بعض الخطوات البسيطة. الجلوس بوضع مستقيم ورفع الرأس أثناء النوم يساعد على تمدّد الرئتين بشكل أفضل. كذلك يُنصح بممارسة تمارين تنفّس عميق يوميًّا لزيادة كفاءة الرئة.

إنّ شرب الماء بكميّات كافية يحافظ على سيولة الدم ويمنع التعب السريع. من المهمّ أيضًا تناول غذاء متوازن غني بالحديد لتجنّب فقر الدم. يجب تجنّب الجهد المفرط، وتقسيم المهام اليوميّة إلى فترات قصيرة مع فترات استراحة. هذه الخطوات البسيطة تمنح الحامل شعورًا براحة أكبر وتقلّل من حدّة العوارض.
الخلاصة
يُعتبَر ضيق التنفس للحامل عرض شائع في أغلب مراحل الحمل، وغالبًا ما يكون طبيعيًّا نتيجة تغيّرات جسديّة وهرمونيّة. لكنّه قد يكون أحيانًا علامة على مشكلة تستدعي التدخّل الطبي. الانتباه إلى العلامات التحذيريّة ومراجعة الطبيب في الوقت المناسب يحمي الأم والجنين من المخاطر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأجبناكِ على سؤال: متى يظهر الجنين في كيس الحمل في اي اسبوع؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ على كلّ حامل أن تتعامل مع أيّ تغيّر في التنفّس بجدّية كاملة، لأنّ جسم الحامل يرسل إشارات لا يجب تجاهلها. من الضروري متابعة هذه الأعراض بشكل يومي والانتباه إلى شدّتها وتكرارها، لأنّ بعض الحالات البسيطة قد تتطوّر سريعًا إلى مضاعفات إن لم تُكتشف مبكرًا. أنصح كلّ امرأة بأن توثّق ملاحظاتها وتشاركها مع طبيبها بانتظام، وألّا تتردّد في طلب المساعدة فور شعورها بألم في الصدر أو ضيق مفاجئ يمنعها من أداء نشاطاتها الطبيعيّة. الوقاية هنا ليست رفاهيّة، بل وسيلة أساسيّة لحماية صحتها وصحّة جنينها. كما أنّ الاطمئنان الطبي يخفّف التوتّر النفسي ويمنح الحامل راحة وطمأنينة تساعدها على الاستمتاع برحلة الحمل بثقة أكبر. أؤمن أنّ وعي الأم وثقافتها الصحيّة هما خط الدفاع الأوّل ضدّ أيّ خطر، وأنّ المعرفة المبكرة بحدود الطبيعي وما هو غير طبيعي تتيح تدخّلًا سريعًا يحافظ على الحمل آمنًا ويقلّل من احتمالات أيّ تعقيدات.