لماذا لم يخبرني أحد أن الحمل بهذه الصعوبة؟ سؤالٌ تطرحه الكثير من النساء بعد أشهرٍ من الشعور بالتعب والمعاناة من التقلبات الجسدية والنفسية. فبينما تكثر القصص الجميلة عن الأمومة والمشاعر الدافئة، تُغفل التفاصيل اليومية المتعبة والمفاجآت الجسدية التي لا تُذكّر في المجالس أو الكتب. الحمل ليس فقط صورة فوتوغرافية لبطنٍ مستدير وابتسامة ناعمة، بل هو عبورٌ يومي بين التحمّل والانهيار، بين القلق والرجاء.
في هذا المقال، سنتناول الجوانب العلمية والمجتمعية لتجربة الحمل الصعبة. سنعرض أهمّ التحديات التي تمرّ بها الحوامل من الناحية الجسدية والنفسية. كما سنوضح دور الهرمونات، والمجتمع، والإعلام في تشكيل صورة غير مكتملة عن الحمل. سنختم بعرض نصائح تساعدك على فهم وتقبل هذه الرحلة كما هي، لا كما تُعرَض.
1- تغيّرات جسدية تفوق التوقعات
أول ما تُفاجَأ به المرأة الحامل هو أن جسدها لم يعد كما كان، ليس فقط في الشكل، بل في كل تفاصيل الأداء الحيوي.

بدايةً، تزداد كمية الدم بنسبة تصل إلى 50٪ خلال الحمل، وذلك لدعم نمو الجنين في الرحم (Cunningham et al., 2018). هذه الزيادة تسبب ضغطًا على القلب، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تسارع في ضرباته. كما تُصاب النساء غالبًا بحرقة المعدة، والإمساك، والتورم في الأطراف. وهي عوارض غير معروفة تفصيلًا لدى كثيرات قبل الحمل.
إضافةً إلى ذلك، يُحدِث هرمون الريلاكسين ارتخاءً في الأربطة لتحضير الجسم للولادة. ممّا يؤدّي إلى الشعور بآلام في الحوض والظهر (MacLennan et al., 2001). وقد تتعرض بعض النساء لصعوبة في المشي أو تقلصات ليلية مؤلمة، من دون أن يكون ذلك موضحًا في جلسات ما قبل الحمل.
2- تقلبات نفسية لا تُرى
وراء الابتسامة التي تُجبر عليها الحامل في الصور، تختبئ تغيرات نفسية مرهقة لا يتحدّث عنها كثيرون.
لماذا لم يخبرني أحد أن الحمل بهذه الصعوبة النفسية؟ السبب أن المجتمع ينظر إلى الحامل كمصدر فرح فقط. لكن في الواقع، تمر المرأة الحامل باضطرابات وتقلّبات مزاجية حادّة نتيجة تغير مستويات الإستروجين والبروجستيرون. بحسب دراسة منشورة في Journal of Affective Disorders، فإن ما يقارب 20٪ من النساء يُصبن باكتئاب ما قبل الولادة، وليس فقط بعد الولادة كما يُشاع (Field, 2017).
وقد تعاني الحامل من القلق، والأرق، نوبات بكاء غير مفسَّرة، وشعور بالعزلة. هذه المشاعر تصبح أكثر حدة عندما لا تجد الحامل من يتفهّم معاناتها أو يصدق صعوبة ما تمر به.
3- صمت المجتمع ودور الإعلام المضلِّل
يعود جزء كبير من صدمة الحوامل إلى التوقعات الخاطئة التي تصنعها الصور النمطية حول الحمل.

لماذا لم يخبرني أحد أن الحمل بهذه الصعوبة؟ لأن الإعلام يركّز على الجوانب “الجميلة” فقط. تعرض المسلسلات والإعلانات صورة مثالية عن الحمل: أم أنيقة، وسعيدة، وتشرب العصير وتضحك. في المقابل، لا نرى على الشاشات امرأة تتقيأ صباحًا، أو تعاني من انتفاخ حاد، أو تبكي من دون سبب.
إضافة إلى ذلك، تصمت الأمهات في الغالب عن مشاركة التجارب الصعبة، إمّا خوفًا من إثارة القلق، أو لأنهنّ تعرضن للتجاهل سابقًا. هذا الصمت المجتمعي يخلق دائرةً من الجهل، حيث تدخل كل امرأة إلى الحمل وكأنها أول من يمرّ به بهذه الطريقة.
4- أهميّة الدعم النفسي والمعرفة الطبية
من المهم جدًا أن تعرف كل امرأة مُقبِلة على الحمل أن التجربة ستكون مختلفة تمامًا عما تسمعه أو تشاهده.
إن التثقيف قبل الحمل يُخفف من الصدمة ويساعد على التعامل مع العوارض بواقعية. مثلًا، إنّ معرفة أن التعب في الثلث الأول طبيعي بسبب تكوين المشيمة (Guyton & Hall, 2016)، أو أن النزيف الخفيف في بداية الحمل لا يعني بالضرورة الإجهاض، تُخفّف الكثير من التوتر غير الضروري.
كما أن الدعم النفسي من الشريك والعائلة يؤدّي دورًا كبيرًا. أكّدت دراسات كثيرة أن النساء اللواتي يحصلنَ على دعم عاطفي خلال الحمل يكنّ أقلّ عرضةً لاكتئاب ما قبل وما بعد الولادة (Collins et al., 1993). لذلك، لا بد من إعادة بناء شبكة دعم حقيقية حول الحامل، وإشراكها في مجموعات توعوية أو لقاءات نسوية تتيح لها التعبير من دون خجل.
5- أهمية الحديث الصادق حول تجربة الحمل
لكي يتغير الواقع، لا بد أن نتكلم عنه بصراحة.

لماذا لم يخبرني أحد أن الحمل بهذه الصعوبة؟ لأننا نخجل من مشاركة الضعف. لكن الحقيقة أن الصدق في سرد تجربة الحمل لا يُقلّل من قدسية الأمومة، بل يمنحها بعدًا إنسانيًا حقيقيًا. فالمعاناة لا تُلغي الحب، والصعوبة لا تنفي الفرح القادم.
على النساء اللواتي خضن التجربة أن يتحدثن بجرأة، وأن يشاركن الجوانب المزعجة قبل اللطيفة. هكذا فقط سنخلق وعيًا مجتمعيًا يُخفف من صدمة الحمل الأولى، ويمنح كل امرأة فرصة للتحضير الحقيقي لهذه الرحلة المتقلبة.
الخلاصة
لماذا لم يخبرني أحد أن الحمل بهذه الصعوبة؟ لأن الصورة الناقصة التي نراها ونسمعها لا تكشف الواقع الكامل. الحمل رحلة مليئة بالتحديات، جسديًا ونفسيًا، لكنه أيضًا مرحلة نضج داخلي وتحول عميق في شخصية المرأة. لا بد من الحديث الصادق، والدعم الفعّال، والمعرفة العلمية لتمكين النساء من خوض هذه التجربة بقوة وثقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أكثر الخرافات انتشارًا حول الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أعتقد أن الحديث عن صعوبة الحمل لا يُضعِف المرأة، بل يُكرّمها. يجب أن نكسر الصمت، ونفتح مساحات نقاش صادقة لتبادل التجارب، ونشجّع النساء على التعبير عن معاناتهنَّ من دون خجل. فكل كلمة صادقة قد تُنقذ امرأة من الوحدة والارتباك، وتمنحها شعورًا بالاطمئنان والانتماء. الحمل صعب، نعم، لكنه لا ينبغي أن يكون صعبًا بصمت.