يُعَدّ الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية من أكثر أنواع القلق شيوعًا بين النساء، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية المحافظة. قد تشعرين أن هذا الخوف غير مبرر أو حتى غريب، لكن الحقيقة أنّه شعور طبيعي يصيب كثيرات قبل الدخول في تجربة الزواج. خاصّةً عندما تكون الصورة الذهنية المرتبطة بالعلاقة الزوجية مشوّشة أو سلبية.
في هذا المقال، سنتناول بشكل علمي وإنساني أسباب هذا الخوف، ونقدم خطوات مدروسة تساعدك على تجاوزه. سنُقسّم الموضوع إلى محاور تشمل: الأسباب النفسية، والتربية الجنسية في الطفولة، ودور الثقافة المجتمعية، وأهمية التحضير النفسي، وأخيرًا خطوات عملية لتبدأي حياتك الزوجية بسعادة وثقة.
الأسباب النفسية وراء الخوف
الماضي يترك أثرًا عميقًا في النفس. أولًا، من المهم أن نفهم أن الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية قد يكون نتيجة لتجارب سابقة غير مباشرة. مثلًا، مشاهدة علاقة زوجية مضطربة داخل العائلة، والتعرض لتحرش، أو حتى سماع قصص سلبية متكررة عن الزواج. كل هذه العوامل تُخزن في العقل اللاواعي وتظهر لاحقًا على شكل خوف من العلاقة الحميمة أو من فكرة الارتباط.

أشارت دراسة منشورة في Psychology Today عام 2021 إلى أن النساء اللواتي لم يتلقين دعمًا نفسيًا بعد تجارب صادمة، يكنّ أكثر عرضة للشعور بالخوف من العلاقات طويلة الأمد والعلاقات الجسدية على وجه الخصوص.
التربية الجنسية الخاطئة
ما نتعلمه في الصغر يرافقنا طيلة الحياة.
ثانيًا، تؤدّي التربية الجنسية دورًا أساسيًا في تشكيل المواقف تجاه الزواج. عندما تُربى الفتاة على الخوف من جسدها، أو على فكرة أن العلاقة الزوجية “مؤلمة” أو “محرّمة”، تصبح التجربة المرتقبة مشحونة بالشعور بالقلق والذنب.
للأسف، ما زالت الكثير من الأسر تتجنّب الحديث عن الأمور الجنسية بطريقة علمية وآمنة، مما يترك الفتاة عرضة للمفاهيم الخاطئة أو المعلومات المشوّهة من الإنترنت أو الصديقات. هذا النقص في الفهم يولّد رهبة داخلية من العلاقة الزوجية.
بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، غياب التثقيف الجنسي في مرحلة المراهقة يزيد من فرص ظهور اضطرابات القلق والخجل الجنسي في مرحلة الرشد.
الضغط الاجتماعي والمفاهيم المغلوطة
المجتمع قد يخلق صورة مشوّهة عن الزواج.

ثالثًا، لا يمكن إغفال دور المجتمع في تعزيز الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية. تُحمّل الفتاة منذ صغرها مسؤوليات كبيرة مرتبطة بالحياة الزوجية. وكأنّها ستكون دائمًا مطالبة بإرضاء الطرف الآخر والتضحية من أجل استقرار الأسرة.
بالإضافة إلى ذلك، تنتشر في بعض المجتمعات العربية خرافات كثيرة حول “ليلة الزفاف” أو “ألم العلاقة الأولى”. مما يُسبب حال من الرعب النفسي المُسبق. وكلما زاد تداول هذه المفاهيم، زاد الخوف الداخلي.
ومن هنا، يصبح من الضروري فصل الواقع عن الخرافة، وبناء وعي صحيّ قائم على المعرفة، لا على المبالغات أو التهويل.
أهمية التحضير النفسي والجسدي
التحضير الصحيح يخفّف الخوف ويبني الثقة.
رابعًا، لا يجب أن يكون التحضير للزواج فقط تجهيزات مادية أو اجتماعية، بل يجب أن يشمل التحضير النفسي أيضًا. من المهم أن تفهمي جسدك جيدًا، وأن تتعلمي كيف تعبّرين عن مشاعرك ورغباتك بطريقة سليمة.
من أفضل الطرق الفعالة لمواجهة الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية هي زيارة مختص نفسي أو معالج جنسي. أثبت العلاج السلوكي المعرفي (CBT) فعاليته في تقليل القلق المرتبط بالعلاقات الزوجية.
كذلك، يمكنك الاستفادة من الكتب العلمية المبسطة أو ورش العمل التوعوية، التي تقدم معلومات دقيقة من دون خجل أو تعقيد. المعرفة تعني طمأنينة، وكلما فهمتِ جسمك ونفسيتك أكثر، زال الخوف تدريجيًا.
خطوات عملية للتغلب على الخوف
ابدئي بخطوة صغيرة، وواصلي التقدّم بثقة. للتغلب على الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية، يمكنك اتباع بعض الخطوات العملية التي أثبتت الدراسات فعاليتها، ومنها:

- التحدث مع الشريك بصراحة: اشرحي له مشاعرك بدون خجل. الحوار الصادق يخفف الكثير من المخاوف.
- تعلّمي تقنيات الاسترخاء: مثل التنفس العميق أو اليوغا، فهي تساعدك على تهدئة الجهاز العصبي وتخفيف الشعور بالتوتر.
- تجنبي المقارنة: كل علاقة فريدة. لا تقارني نفسك بصديقاتك أو بما يُعرض في الأفلام.
- اهتمي بصحتك النفسية: خصصي وقتًا لنفسك، وابتعدي عن مصادر التوتر.
- ضعي أهدافًا صغيرة: لا تفكري بكل التجربة دفعة واحدة. فكري في أول خطوة فقط، ثم التالية، وهكذا.
التغيّر لا يحدث فجأة، ولكن بالاستمرار والإصرار ستصلين إلى مرحلة من الراحة والثقة.
الخلاصة
الزواج ليس مصدرًا للخوف، بل بداية لحياة جميلة. في النهاية، الخوف من الزواج والعلاقة الزوجية لا يجب أن يمنعك من تجربة إنسانية مليئة بالمحبة والدعم. الخوف شعور طبيعي، ولكن المهم ألا يُسيطر عليك أو يمنعك من المضي قدمًا.
تذكّري أن كل تجربة قابلة للتعلّم، وكل خوف يمكن تجاوزه إذا فُهمت أسبابه وتمّت معالجته بشكل علمي وعملي. امنحي نفسك الوقت، وكوني رحيمة بنفسك، واطلبي المساعدة حين تحتاجين. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب عدم رغبة الزوج بالجماع.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الكثير من الفتيات يعشن صراعًا داخليًا بين رغبة الاستقرار والخوف من العلاقة الزوجية، وهذا الصراع يجب أن يُعامَل بحساسية ووعي. المعرفة هي المفتاح الأول، والانفتاح مع الذات ومع الشريك هو الطريق نحو بناء حياة زوجية صحية. لا يوجد خجل في أن تخافي، لكن هناك شجاعة حقيقية في أن تواجهي هذا الخوف، وتتغلّبي عليه بخطى ثابتة وثقة بالنفس.