تسلّط دراسة تربوية حديثة الضوء على مفهومٍ تربويّ بالغ الأهمية، إذ تؤكد أنَّ المكافآت الصغيرة تحفّز الطفل أكثر من العقاب. هذا الاكتشاف يبدّل الطريقة التي يتعامل بها الأهل والمربّون مع الأطفال، ويطرح تساؤلات حول فعالية أساليب العقاب التقليدية في تعديل السلوك.
وفي ضوء هذه النتائج، يبدأ الخبراء بإعادة النظر في منهجية التربية التي تعتمد على الخوف والتهديد، والتي تُعتبَر من بين الأخطاء الشائعة بين الأمهات التي تسبب أضرارًا نفسية للأطفال. مقابل تلك التي تُشجّع الطفل على التقدّم بخطوات ثابتة نحو الأفضل عبر التشجيع الإيجابي والمكافأة الرمزية.
التحفيز بالمكافأة: سرّ التقدّم السلوكي
تشير الدراسة إلى أنّ الطفل يتجاوب بسرعة أكبر عندما يتلقّى مكافأة بسيطة مقابل سلوك جيّد، مثل كلمات الثناء أو ملصقٍ ملوّن أو وقتٍ إضافي للّعب. فالمكافأة، مهما كانت صغيرة، تمنح الطفل شعورًا بالإنجاز وتغذّي حاجته الطبيعية للتقدير. ومع تكرار هذا الأسلوب، يترسّخ السلوك الإيجابي في شخصيته من دون الحاجة إلى العقاب أو التهديد.
كذلك، يرى المختصّون أنّ الطفل يتعلّم من خلال التجربة، لا من خلال الخوف. فعندما يُكافأ على سلوكٍ حسن، يشعر بأنّ جهده يُقدَّر، فيتكرّر السلوك نفسه بدافع الرغبة لا الإجبار. وهكذا، تبني المكافأة علاقة ثقة متبادلة بين الطفل والمربّي.
العقاب وتأثيره العكسي
من جهة أخرى، توضّح الدراسة أنَّ العقاب المستمر يولّد الخوف والتمرّد بدلًا من الالتزام. فالطفل الذي يُعاقَب يتعلّم إخفاء الخطأ لا تصحيحه. ومع الوقت، يصبح هدفه تجنّب العقوبة بدلًا من السعي إلى التصرّف بشكل صحيح. لذلك، يحثّ الخبراء على الحدّ من أساليب العقاب البدني أو اللفظي، واستبدالها بأساليب تشجيعية تُنمّي الإحساس بالمسؤولية.
كما تبيّن النتائج أنَّ العقاب المبالغ فيه يُضعف الثقة بالنفس ويؤخّر النضج العاطفي. بينما تُعزّز المكافأة المتّزنة احترام الذات وتشجّع الطفل على التفكير قبل الفعل. وبالتالي، يتحوّل الانضباط إلى سلوك داخلي لا إلى خوفٍ من السلطة.
كيف يطبّق الأهل هذه الاستراتيجية؟
يوصي المختصّون باستخدام المكافآت الرمزية بشكلٍ ذكي ومتوازن. فبدلًا من الهدايا الكبيرة، يمكن للأهل تقديم كلمات تشجيع أو لحظة فخر أمام الأسرة. كذلك، من المفيد وضع نظام نقاط بسيط، يكافئ الطفل عند الالتزام بالقواعد أو إنجاز المهمّات اليومية. ومع الوقت، يصبح التحفيز الداخلي عادةً راسخة تدفعه إلى التصرّف السليم من تلقاء نفسه.
ومن المهم أيضًا أن تترافق المكافأة مع الحوار، لأنّ الشرح الهادئ يعلّم الطفل سبب الثناء، ويجعله أكثر وعيًا بتأثير أفعاله.
تثبت الدراسة أنّ التربية الحديثة لا تحتاج إلى القسوة لتنجح، بل إلى الوعي والاتّزان. فالمكافآت الصغيرة تُنمّي الفضول، وتغرس في الطفل حبّ السلوك الجيّد بطريقةٍ إيجابية ودائمة. وفي نهاية المطاف، يثمر هذا النهج جيلًا واثقًا من نفسه، يلتزم بالقيم عن قناعة لا عن خوف. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تبني قصص الخيال العلمي جيلًا من المبتكرين الصغار؟
