يُربِك سبب عدم نوم الرضيع معظم الأمهات الجدد. بمجرد أن يبدأ الطفل بالبكاء ليلًا، تُسرعين إلى التفكير في احتمالات مثل الشعور بالجوع أو المعاناة من المغص أو حتى الحفاض المبلل. لكن، ماذا لو لم يكن أيّ من هذه الأسباب هو الفعلي؟ هذا السؤال هو ما يدفع العديد من الأمهات إلى الشعور بالقلق المتواصل والسهر الليلي الطويل.
في هذا المقال، نكشف لكِ الحقيقة العلمية وراء سبب عدم نوم الرضيع، بعيدًا عن الاعتقادات التقليدية. سنستعرض العوامل النفسية، والبيئية، والعصبية وحتى السلوكية التي تُؤثّر على نوم الطفل. كما سنعرض حلولًا مبنية على دراسات موثوقة لمساعدتكِ في تخطّي هذه المرحلة بسهولة.
الإيقاع الحيوي للرضيع غير منتظم بعد الولادة
في البداية، لا يمتلك الطفل حديث الولادة ساعة بيولوجية داخلية منتظمة كما لدى البالغين. هذا يعني أنه لا يستطيع التمييز بين النهار والليل. ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Sleep Medicine Reviews، فإن تطوّر الإيقاع اليومي لدى الرضع يبدأ فعليًا في عمر 6 إلى 8 أسابيع، ويستقر تدريجيًا حتى الشهر الرابع.
وهنا، لا يكون سبب عدم نوم الرضيع متعلقًا بألم أو حاجة فيزيولوجية، بل هو ببساطة نتيجة لعدم نضوج النظام العصبي المسؤول عن تنظيم النوم. لذا، لا جدوى من محاولات التهدئة التقليدية دائمًا، بل يجب دعم الطفل لإرساء نمط نوم تدريجي.
التحفيز الزائد خلال النهار يؤثّر على نوم الليل
حين يحصل الطفل على الكثير من المؤثرات الحسية خلال النهار، مثل الأصوات العالية أو الإنارة القوية أو التنقل المتكرر، يصبح جهازه العصبي في حالة تأهب، ما يمنعه من الدخول في نوم عميق ليلًا.
هنا يرتبط سبب عدم نوم الرضيع بفرط الإثارة وليس بمغص. بحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، الأطفال بحاجة إلى فترات هدوء بعد ممارسة كل نشاط، حتى يتمكنوا من تنظيم مزاجهم والاستعداد للنوم. ولذلك، يُستحسن تقليل التحفيز قبل موعد النوم، مثل إطفاء الإنارة، وتخفيف الأصوات، واعتماد طقوس هادئة مثل الضوضاء البيضاء للاطفال لنوم هادئ وعميق.
نمو الدماغ وتطور المهارات يسببان اضطراب النوم
حين يمرّ الرضيع بقفزات نمو معرفي أو حركي، مثل تعلّم الحبو أو إصدار الأصوات، يُصبح النوم أقل استقرارًا. فالعقل يعمل بوتيرة سريعة خلال الليل، ما يؤدي إلى كثرة الاستيقاظ.
وهنا مرة جديدة، يكون سبب عدم نوم الرضيع مرتبطًا بنشاط الدماغ وليس بمشكلة جسدية. وذكرت دراسة منشورة في Developmental Psychobiology أن هذه الفترات تُعتبر طبيعية وموقتة، لكنها تتكرر كل عدة أسابيع خلال السنة الأولى.
إذا لاحظتِ أن طفلكِ بدأ يكتسب مهارات جديدة أو تغيّر سلوكه خلال النهار، فاستعدّي لليالٍ مضطربة. يكمن الحلّ في منح الطفل بيئة آمنة خلال النوم، من دون تدخل مفرط أو قلق زائد.
قلق الانفصال: أحد أبرز أسباب اضطراب النوم الليلي
في عمر 6 إلى 9 أشهر، يبدأ الطفل بإدراك أن الأم كيان منفصل عنه. عندها، يشعر بالقلق عند غيابها، ما ينعكس مباشرة على جودة نومه. يستيقظ مرارًا ليتأكد من وجودكِ قربه.
إذًا، أحيانًا لا يعود سبب عدم نوم الرضيع لأيّ عامل جسدي، بل هو توتر عاطفي طبيعي ناتج عن تطوّر وعيه. وهنا يُنصح بتطبيق ما يُعرف بـ “الطمأنة التدريجية”، أي أن تزوري الطفل لثوانٍ قصيرة عندما يستيقظ، من دون حمله، ليطمئن، ثم تتركيه مجددًا ليستقلّ في نومه.
الروتين غير المنتظم يؤدي إلى اضطرابات النوم
ينام الأطفال بلا روتين يومي واضح بصعوبة. النوم ليس مجرد حاجة جسدية، بل يرتبط بالأنماط. إن غاب التكرار، فقد الطفل القدرة على التوقّع، وبالتالي صَعُب عليه الانتقال من ممارسة النشاط إلى الراحة.
في هذه الحال، يعود سبب عدم نوم الرضيع إلى غياب الطقوس وليس إلى حال طبية. وأكدت دراسة في Journal of Pediatric Health Care أن وجود روتين واضح ومكرر يوميًا (مثل حمام دافئ، ثم قصة قصيرة، ثم إطفاء النور) يُحسّن نوم الأطفال بنسبة 80%.
فابدئي بوضع جدول بسيط وثابت لطفلكِ، وستُلاحظين الفرق خلال أيام.
الخلاصة
لا يُعَدّ سبب عدم نوم الرضيع دائمًا متعلقًا بالجوع أو المغص كما يُعتقد. فالنوم لدى الرضع يتأثر بعوامل بيولوجية، ونفسية، وبيئية، وحتى اجتماعية. كل مرحلة عمرية تحمل معها تحديات جديدة، وما يُربككِ اليوم قد يكون ببساطة مرحلة مؤقتة في مسار نمو طفلكِ.
احرصي على تقديم بيئة هادئة، وتجنّبي الإفراط في التحفيز، واتبعي روتينًا مسائيًا واضحًا، وامنحي طفلكِ الفرصة لتطوير استقلاله في النوم بهدوء وثقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن سبب بكاء الطفل المفاجئ وهو نائم.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، لا يجب أن نُسرع إلى تفسير كل بكاء ليلي بالجوع أو المغص. علينا أن نُصغي أكثر إلى الإشارات غير المباشرة التي يُرسلها الرضيع. فالنوم انعكاس لصحة الطفل النفسية والعصبية وليس فقط الجسدية. عندما نُدرك أن اضطراب النوم ليس خطأ من الطفل ولا من الأم، بل جزء طبيعي من نموه، نصبح أكثر هدوءًا وقدرة على التعامل معه بحب وصبر.
