بعد فقدان الحمل.. هل يمكن للقلب أن يفرح من جديد؟ سؤال يتردّد في ذهن كلّ أمّ خسرت جنينها قبل أن تراه. لحظة الفقد لا تُنسى، ويغمرها شعور بالذنب، ,بالفراغ، وحتى بالخيانة من الجسد. لكن، وسط هذه المشاعر المؤلمة، يظهر سؤال آخر: هل بإمكان القلب أن يشفى؟ وهل يعود الأمل إلى الحياة؟
في هذا المقال، نأخذكِ خطوة بخطوة نحو فهم ما يحدث بعد فقدان الحمل المفاجئ، نفسيًا وجسديًا. كما نسلّط الضوء على مراحل التقبّل، وطرق الدعم العاطفي، ونختم بتقديم خطوات عملية تعيد دفء الحياة إلى القلب.
الفقد ليس مجرد حدث جسدي
يُعَدّ فقدان الحمل من أكبر الصدمات النفسية التي تواجهها المرأة. في الظاهر، قد يبدو الأمر كحدث طبي ينتهي بعملية إجهاض أو توقف نبض الجنين. لكن الحقيقة أعمق من ذلك.
في دراسة نُشرت في مجلة The Lancet Psychiatry، أشارت الأبحاث إلى أن النساء اللواتي يتعرضن لفقدان الحمل، يعانين من عوارض اكتئاب وقلق شديدة قد تستمر لأشهر أو حتى سنوات، إن لم يُقدَّم لهنّ الدعم المناسب (Farren et al., 2020). التغيّرات الهرمونية التي ترافق الحمل، تتداخل مع الصدمة العاطفية، ما يُضاعف من وقع الألم.
أيضًا، المجتمع في كثير من الأحيان لا يُعطي هذه الخسارة حجمها الحقيقي. تُتوقّع من المرأة أن “تتجاوز” الأمر بسرعة، رغم أن الفقد يخلّف جرحًا عميقًا لا يُرى.
المشاعر المتضاربة بعد الفقد
من الطبيعي أن تشعري بالحزن، والغضب، والارتباك، وأحيانًا بالذنب. هذه المشاعر ليست علامات ضعف، بل ردود فعل إنسانية حقيقية.
أظهرت دراسة لجامعة Harvard Medical School أن 40٪ من النساء اللواتي فقدن حملهنَّ شعرنَ بتراجعٍ في احترام الذات، وشَكَكنَ في قدرتهنَّ على الحمل مرة أخرى. لذلك، يجب أن نعترف بهذه المشاعر ونحترمها، بدلًا من كبتها.
أيضًا، بعض النساء يشعرنَ بالغيرة من الحوامل الأخريات، أو يواجهن صعوبة في التفاعل مع الأطفال. هذا أمر طبيعي، ولا يجب أن يُقابَل بالحكم أو الخجل. كلّ مشاعر ما بعد الفقدان هي جزء من عملية الشفاء.
هل يعود الفرح بعد كل هذا الألم؟
بعد فقدان الحمل.. هل يمكن للقلب أن يفرح من جديد؟ نعم، ولكن العودة تحتاج وقتًا ووعيًا ودعمًا. الشفاء لا يعني النسيان، بل التقبّل. ولا يعني أيضًا إزالة الحزن، بل العيش معه بطريقة صحية.
بحسب الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA)، معظم النساء اللواتي تلقينَ دعمًا نفسيًا بعد فقدان الحمل استطعن استعادة توازنهن العاطفي خلال ستة إلى تسعة أشهر. ولكن هذا لا يحدث تلقائيًا، بل يتطلب خطوات.
من هذه الخطوات: التحدّث عن المشاعر مع مختصّ، والانخراط في مجموعات دعم، وكتابة اليوميات، وحتى ممارسة أنشطة تُعيد الشعور بالسيطرة، كالرسم أو الرياضة.
الدعم العاطفي هو الأساس
لا يُقدَّر الدعم العاطفي بثمن. سواء كان من الزوج، أو العائلة، أو الأصدقاء، أو المعالج النفسي. فبعد فقدان الحمل، تشعر المرأة بأنها وحيدة، وكأنّ العالم لا يفهم ألمها. وهنا يأتي دور المحيط.
من المفيد أن يتعلّم الزوج كيف يدعم زوجته في هذه المرحلة. لا يجب أن يقدّم حلولًا جاهزة، بل يكفيه أن يُصغي. كذلك، مشاركة الحزن تُخفّف العبء، وتُساعد في بناء جسر بين الشريكين.
أيضًا، دور المختص النفسي مهم جدًا. ففي دراسة نشرتها BMJ Open، تبيّن أن النساء اللواتي خضعن لعلاج معرفي سلوكي (CBT) بعد فقدان الحمل، أظهرن انخفاضًا ملحوظًا في مستويات الاكتئاب والقلق خلال ثلاثة أشهر فقط.
خطوات عملية لاستعادة الأمل
في كل مرحلة من الحزن، يمكن اتخاذ خطوات صغيرة نحو الشفاء. وهذه بعض منها:
- الاعتراف بالحزن: لا تُجبري نفسك على التعافي بسرعة. الحزن يستحق وقتًا ومساحة.
- الرعاية الذاتية: اهتمي بنومك، وبتغذيتك، وبجسمك. الجسد الحزين يحتاج إلى عناية مضاعفة.
- التواصل مع الآخرين: لا تنعزلي. تحدثي مع من تثقين به.
- التحضير لحمل جديد (عند الاستعداد): لا تضغطي على نفسك. حين تكونين جاهزة جسديًا ونفسيًا، يمكنك التفكير مجددًا في الحمل، بمرافقة طبية ونفسية.
- طلب المساعدة: سواء من مختص نفسي، أو من مراكز دعم الأمومة. المساعدة ليست ضعفًا، بل شجاعة.
بعد فقدان الحمل.. هل يمكن للقلب أن يفرح من جديد؟ نعم، يمكنه ذلك. الحزن عميق، والجرح موجِع، لكن الإنسان يملك قدرة مدهشة على التعافي. المشاعر لن تختفي، لكنها ستتحوّل إلى ذكرى، وإلى قوة داخلية تدفعكِ لتقدير الحياة من جديد.
الفقد لا يُلغى، لكن مع الوقت، يتحوّل من ندبة إلى جزء من قصتكِ، من دون أن يُعطّل بقيّة الرحلة. وكل خطوة نحو الشفاء، هي خطوة نحو النور. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن شكل المشيمه بعد الاجهاض.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن فقدان الحمل ليس فقط خسارة جنين، بل اختبار لمدى قوّة القلب والروح. المرأة التي تمر بهذه التجربة تحتاج إلى حبّ، إلى إنصات، وإلى من يهمس في أذنها: “أنتِ قوية، ولستِ وحدكِ”. الفرح قد يتأخر، لكنه لا يغيب. والحنين لا يتوقف، لكنه لا يمنع السعادة من أن تزهر مجددًا. أنصح كلّ امرأة تمر بهذه المرحلة أن تعتني بنفسها أولًا، وأن تُعطي حزنها الوقت والمساحة، لأن ذلك هو بداية الطريق نحو الفرح الحقيقي.
