تُعَدّ اسباب الام اسفل الظهر عند النساء من القضايا الصحية المنتشرة جدًا. لا يرتبط هذا الألم بعمر محدّد، فقد تشعر به المرأة الشابة بسبب الجلوس الطويل أو الوقوف المرهق، كما يمكن أن يظهر عند المرأة المتقدمة في العمر نتيجة تغيّرات هرمونية أو هشاشة العظام. لذلك من المهم معرفة أن الألم قد يكون عابرًا في بعض الحالات، لكنه قد يشير أحيانًا إلى المعاناة من مشكلة صحية صامتة تحتاج إلى تدخل سريع.
في هذا المقال، سنعرض الأسباب الأكثر شيوعًا التي تؤدي إلى المعاناة من هذه الآلام، ونوضح العلامات التي قد تدل على وجود خطر خفي. كذلك سنستعرض الجوانب العلمية المدعومة بالدراسات الطبية. مع إعطاء إرشادات عملية تساعد المرأة على التمييز بين الألم البسيط والألم المقلق.
التشنجات العضلية والإجهاد البدني
تُعَدّ تشنجات العضلات من أكثر الأسباب شيوعًا. تحدث هذه المشكلة غالبًا بعد حمل أوزان ثقيلة أو ممارسة نشاط بدني غير معتاد. العضلات المحيطة بالعمود الفقري تُصاب بالتوتر مما يسبب الألم المستمر.

تشير دراسات طبية إلى أن ما يقارب 80% من النساء يعانين من آلام أسفل الظهر على الأقل مرة واحدة في حياتهن نتيجة هذه التشنجات. الخبر الجيد أن هذا النوع من الألم يخف عادةً مع الراحة وتطبيق الكمادات الدافئة، لكنه قد يتكرر إذا لم يتم تعديل العادات اليومية.
تأثير الهرمونات والدورة الشهرية
تؤدّي الهرمونات دورًا أساسيًا في جسم المرأة. خلال فترة الدورة الشهرية، يزداد إفراز البروستاغلاندين الذي يسبب تقلصات في الرحم وقد يمتد تأثيره إلى منطقة أسفل الظهر.
في حالات أخرى، مثل متلازمة ما قبل الطمث أو اضطراب المبيض متعدد الكيسات، قد يزداد الألم ويصبح مزمنًا. توضح الأبحاث أن النساء اللواتي يعانين من عدم انتظام في الدورة أكثر عرضة للشعور بآلام الظهر المتكررة.
الحمل وتغيرات العمود الفقري
يفرض الحمل ضغطًا مباشرًا على العمود الفقري. مع نمو الجنين، يتغير مركز ثقل الجسم، ممّا يؤدي إلى انحناء أسفل الظهر بشكل أكبر. هذا الانحناء يسبب ألمًا متفاوت الشدة.
تؤكد دراسة منشورة في Journal of Obstetrics and Gynecology أن أكثر من نصف النساء الحوامل يعانين من آلام أسفل الظهر خلال الثلثين الثاني والثالث من الحمل. لذلك من الضروري اعتماد تمارين بسيطة آمنة للحامل وتجنّب الوقوف الطويل.
هشاشة العظام وتقدّم العمر
مع التقدّم في العمر، تصبح العظام أقل كثافة وأكثر هشاشة. هشاشة العظام قد تسبب كسورًا دقيقة في فقرات العمود الفقري من دون أن تلاحظ المرأة مباشرة السبب. الألم هنا يكون صامتًا لكنه متزايد مع مرور الوقت.

يتطلّب هذا النوع من الألم متابعة طبية وفحوصات تصويرية مثل الأشعة السينية أو فحص الكثافة العظمية. تجاهل الأعراض قد يؤدي إلى كسور أكبر ومضاعفات خطيرة.
الانزلاق الغضروفي ومشكلات العمود الفقري
يحدث الانزلاق الغضروفي عندما تتحرك إحدى الأقراص بين الفقرات من مكانها الطبيعي وتضغط على الأعصاب المحيطة. يكون الألم هنا شديدًا وقد يمتد إلى الساقين.
يشير العلماء إلى أن النساء اللواتي يمضين وقتًا طويلًا أمام الحاسوب أو في الجلوس الخاطئ أكثر عرضة للإصابة بهذه المشكلة. العلاج قد يكون دوائيًا في المراحل الأولى، لكن بعض الحالات تحتاج إلى تدخل جراحي.
التهابات المسالك البولية والكلى
لا يكون الشعور بالألم في أسفل الظهر دائمًا مرتبطًا بالعمود الفقري. التهابات الكلى أو الحصوات قد تسبب ألمًا في هذه المنطقة. الفرق أن الألم هنا غالبًا ما يترافق مع عوارض أخرى مثل الحمى أو تغيّر لون البول.
يحذّر الأطباء من إهمال هذه العلامات، إذ إن التهابات الكلى قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم تُعالج بشكل سريع.
الأورام أو الأمراض النسائية الخطيرة
في حالات نادرة، قد يكون الألم الصامت في أسفل الظهر مؤشرًا على أورام في الرحم أو المبايض أو حتى في العمود الفقري نفسه. هذه الأورام غالبًا تبدأ بدون عوارض واضحة، لكن الألم المستمر وغير المبرر قد يكون جرس إنذار.
تشدّد الدراسات الطبية على ضرورة إجراء الفحوصات الدورية للنساء، خصوصًا بعد سن الأربعين، للكشف المبكر عن مثل هذه الأمراض.
متى يصبح الألم علامة خطر صامت؟
الألم البسيط الذي يزول مع الراحة عادةً لا يستدعي القلق. لكن هناك علامات تستدعي زيارة الطبيب فورًا، مثل:

- استمرار الألم لأكثر من أسبوعين.
- امتداد الألم إلى الساقين أو مرفقًا بتنميل.
- وجود فقدان وزن غير مبرر.
- ارتفاع درجة الحرارة مع الألم.
- صعوبة التحكم في التبول أو الإخراج.
هذه العلامات توضح أن الألم ليس مجرد إرهاق. بل قد يخفي وراءه مرضًا يحتاج إلى علاج متخصص.
الوقاية وأساليب التخفيف
تبدأ الوقاية من أسلوب الحياة اليومي. وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على وزن صحي، واختيار وضعيات جلوس صحيحة، واستخدام مراتب مناسبة للنوم كلها خطوات تقلل من فرص الإصابة.
كما أن الاهتمام بالتغذية الغنية بالكالسيوم وفيتامين D يساهم في تقوية العظام ويقلل من خطر هشاشتها. إضافةً إلى ذلك، يُنصح بمراجعة الطبيب بانتظام لإجراء الفحوصات الدورية. خصوصًا عند وجود تاريخ عائلي لمشاكل العمود الفقري أو هشاشة العظام.
من الواضح أن اسباب الام اسفل الظهر عند النساء ليست متشابهة، فهي تتراوح بين الإجهاد البسيط والأمراض الصامتة الخطيرة. المعرفة المسبقة بهذه الأسباب والعلامات الفارقة تساعد المرأة على التصرّف بسرعة وحماية صحتها. الاهتمام بالعادات اليومية والفحوصات الوقائية يشكّل خط الدفاع الأول ضد هذه الآلام. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن مؤشرات تنذركِ بضعف المبايض.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن التوعية الطبية المستمرة هي الأداة الأقوى التي تملكها المرأة لمواجهة مثل هذه المشكلات. لا يجب اعتبار الألم مجرد عرض عابر، بل رسالة من الجسم تستحق الإصغاء. لذلك أنصح كل امرأة بألا تتهاون مع الألم المتكرر، وأن تعتبر الوقاية والعلاج المبكر استثمارًا لصحتها وجودة حياتها.