في خضم متاعب الحياة اليومية، هل تمرين بلحظات ندم في الأمومة؟ قد يتبادر هذا السؤال إلى ذهنك بعد نوبة غضب، أو لحظة تعب شديد، أو ربما أثناء مقارنة نفسك بأمهات أخريات. هذه المشاعر لا تعني أنكِ أم سيئة، بل هي دليل على أنكِ تفكرين، وتشعرين، وتحاولين أن تكوني أفضل.
سنتناول في هذا المقال مفهوم ندم الأمومة من زوايا علمية ونفسية. نشرح أسبابه، وآثاره، وكيفية التعامل معه. وذلك بناءً على دراسات موثوقة في علم النفس التربوي، وتحليل تجارب الأمهات في مختلف البيئات. هدفنا أن تشعري بالطمأنينة، وتفهمي أن مشاعركِ ليست نادرة ولا مُحرجة.
ما هو ندم الأمومة؟
في بعض اللحظات، قد تشعرين أنكِ نادمة على دخولكِ عالم الأمومة. قد تتساءلين: هل كنت مستعدة؟ هل فقدت حريتي؟ هل أخطأت في الاختيار؟ هذا الشعور يُسمى علميًا بـ “ندم الأمومة”.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Psychology عام 2017، أعربت نسبة من النساء (تراوح بين 6% و10%) عن شعورهن بالندم تجاه قرار الإنجاب. اللافت أن هذا الشعور لا يرتبط بعدم حب الطفل، بل بالإرهاق الذهني والعاطفي الناتج عن المسؤوليات اليومية. ممّا يؤدّي أحيانًا إلى المعاناة من ضغوط نفسيّة تصل إلى حدّ الإصابة بالاكتئاب الحاد.
بكلمات بسيطة: هل تمرين بلحظات ندم في الأمومة؟ هذه المشاعر لا تعني أنكِ أم سيئة، بل إنكِ إنسانة تشعر وتفكّر وتحتاج للدعم.
لماذا تشعرين بالندم أحيانًا؟
في البداية، توقّعاتك قد تكون عالية. تريدين أن تكوني “الأم المثالية”. لكن الواقع صعب. الطفل لا ينام، والبيت غير مرتب، والزوج مشغول. هنا يبدأ التوتر.

ثانيًا، يؤدّي غياب الدعم دورًا أساسيًا. عندما لا تجدين من يُساندك، تتضاعف الأعباء. أكّدت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج أن غياب الدعم من الشريك أو العائلة يزيد خطر الشعور بالندم.
ثالثًا، تعرّضكِ للمقارنة يضرّكِ. تشاهدين أمهات على مواقع التواصل يظهرن بشكل مثالي. لكن ما ترينه ليس الحقيقة. الحقيقة أنّ الأمومة مرهقة للجميع، لكن قلائل من يعترفون.
رابعًا، الحرمان من النوم يؤثر بشكل كبير. أثبتت أبحاث كثيرة أنّ المعاناة من الأرق وقلة النوم تُضعف التركيز، وتُسبب تقلبات مزاجية. ممّا قد تدفعكِ للشعور بأنكِ لستِ قادرة على الاستمرار.
ما تأثير هذه المشاعر على صحتك النفسية؟
بصراحة، إخفاء مشاعر الندم يُضعفكِ أكثر. حين لا تتحدثين، تتراكم المشاعر. وحين تتراكم، تتحول إلى قلق، وربما اكتئاب.

في عام 2021، نشرت Journal of Affective Disorders دراسة أثبتت أن الأمهات اللواتي يشعرن بالندم باستمرار أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة بنسبة 40%. هذا الرقم كبير، ويجب أن يؤخذ بجدية.
أيضًا، هذه المشاعر قد تؤثر على علاقتكِ بالطفل. قد تشعرين بالانفصال عنه عاطفيًا، وقد تفقدين متعة التفاعل معه. لذلك، يجب أن تتصالحِي مع مشاعرك، لا أن تهربي منها.
كيف تتغلّبين على لحظات الندم؟
أولًا، قولي لنفسكِ: أنا لستُ وحدي. هذا الشعور منتشر، وصحي، ومفهوم.
ثانيًا، تواصلي مع أمهات مثلِك. شاركي قصتكِ. استمعي لتجارب غيرك. أثبتت دراسة من جامعة أوسلو (2019) أن النساء اللواتي ينتمين إلى مجموعات دعم نفسي يشعرن براحة أكبر ويتعاملن مع الضغوط اليومية بشكل أفضل.
ثالثًا، خصصي وقتًا لكِ. ليس أنانية. بل ضرورة. خصصي 15 دقيقة يوميًا لممارسة شيء تحبينه: المشي، أو القراءة، أو الاستحمام بهدوء.
رابعًا، خفّضي سقف التوقعات. لستِ مضطرة أن تكوني مثالية. الطفل لا يحتاج إلى أم كاملة، بل إلى أم صادقة، وحنونة، تحاول.
خامسًا، استشيري مختصّة نفسية إذا شعرتِ أن الندم يتحوّل إلى ثقل لا يُحتمل. يساعد العلاج السلوكي المعرفي في فهم جذور المشاعر وتخفيف آثارها.
سادسًا، اكتبي مشاعركِ في دفتر. الكتابة تفرّغ الضغط، وتساعدكِ على فهم نفسك بشكل أوضح.
وأخيرًا، تذكّري أن كل مرحلة صعبة في الأمومة مؤقتة. التسنين ينتهي، والبكاء يقلّ، ومراحل النمو تتغير.
الخلاصة
لا تخفي ألمكِ. لا تتظاهري بالقوة دائمًا. إن شعرتِ بالندم، عبّري. قولي: “أنا متعبة. أحتاج استراحة. أشعر بالضيق.”
هل تمرين بلحظات ندم في الأمومة؟ إن كان الجواب نعم، فأنتِ أم مثل كثيرات غيركِ. لستِ وحدكِ، ولستِ ضعيفة. بل أنتِ إنسانة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
تذكّري أن الأمومة طريق طويل، فيه مطبّات، لكن فيه أيضًا لحظات دفء وسعادة لا تُنسى. لا تسمحي للندم أن يحجب جمال اللحظة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأخبرناكِ ما الذي يجعل مشاعر الأمومة مع الطفل فريدة لا تشبه أي حب آخر؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الاعتراف بندم الأمومة خطوة شجاعة، وليست علامة فشل. بل هو دليل على وعي عاطفي عميق وقدرة على المواجهة بدل الإنكار. فالكثير من الأمهات يعشن هذه المشاعر بصمت، ويشعرن بالخجل منها، وكأنها خطيئة لا تُغتفر، بينما في الواقع هي لحظة إنسانية صادقة تُعبّر عن حجم الضغط والعطاء والتضحية. لذلك، نحن بحاجة لتغيير الخطاب السائد، وتوفير مساحة آمنة للنساء ليعبّرن دون خوف من الأحكام أو الوصم. على المجتمعات أن تحتضن الأمهات، لا أن تُثقل كاهلهنّ بمثالية زائفة ترهقهن نفسيًا وعاطفيًا. لأن الأمومة، في حقيقتها، فعل حب وجهد مستمر، يستحق التقدير لا المقارنة، ويستحق أن يُروى بكل صدقه، بكل ألمه، وبكل جماله أيضًا.