يبدأ إجراء الفحوصات الضرورية لسلامة الجنين منذ اللحظة الأولى لاكتشاف الحمل. هذه الفحوصات تضمن نمو الجنين داخل الرحم بشكل طبيعي، وتحميه من مواجهة مشاكل صحيّة قد لا تظهر في البداية. كثير من النساء يعتقدن أنّ المتابعة المنتظمة أمر ثانوي، لكن الدراسات أثبتت العكس. فالمتابعة الدقيقة تمنع ظهور مضاعفات خطيرة قد تؤثّر على حياة الأم والطفل معًا.
ولكي تكون الصورة أوضح، سنعرض في هذا المقال أهمّ الفحوصات التي لا بدّ أن تلتزم بها كل حامل. سنشرح وظيفة كل فحص، وما الذي يكشفه، ولماذا يُعتبر خطوة أساسية. كذلك سنعتمد على نتائج أبحاث علمية حديثة لتأكيد أهميّة هذه الإجراءات.
فحص الدم الشامل
يُعدّ إجراء فحص الدم أول خطوة يطلبها الطبيب، وهو الأساس الذي تُبنى عليه باقي المتابعات. يكشف هذا الفحص مستوى الهيموغلوبين ويحدّد إن كانت الأم تعاني فقر دم. كذلك يوضّح نسبة الحديد، والفيتامينات، ووظائف الكبد، والكلى. كل هذه المؤشرات تعكس البيئة التي يعيش فيها الجنين داخل الرحم، وتُظهر قدرة جسم الأم على تغذيته بشكل سليم.

إضافةً إلى ذلك، يُستخدَم فحص الدم لمراقبة مستوى الأجسام المضادّة في جسم الحامل. هذه الأجسام قد تمنع انتقال العدوى من الأم إلى الجنين، أو على العكس قد تُشكّل خطرًا إذا تبيّن وجود أمراض مناعية نشطة. أثبتت دراسة منشورة في المجلة الأمريكية لطب النساء (2022) أنّ فقر الدم غير المعالج يرفع خطر الولادة المبكرة بنسبة تصل إلى 40%. ما يجعل التشخيص المبكر خطوة لا غنى عنها.
أيضًا يكشف فحص الدم عن الالتهابات الفيروسية أو البكتيرية مثل الحصبة الألمانية أو التهاب الكبد، وهذه العوامل قد تؤدّي إلى تشوّهات أو إعاقة النمو العصبي للجنين. وبجانب ذلك، يساعد الفحص على تحديد فصيلة دم الأم، ورصد الأجسام المضادّة لعامل الريسوس (Rh)، وهو ما يمنع حدوث مضاعفات خطيرة كفقر دم الجنين أو تكسّر كريّاته الحمراء. لذلك، يُعتبر هذا الفحص وقائيًا، تشخيصيًا، وعلاجيًا في الوقت نفسه.
فحص الموجات فوق الصوتية (الإيكو)
يُعتبر الإيكو مرآة تطوّر الجنين. باستخدام الموجات فوق الصوتية، يستطيع الطبيب متابعة نمو الأعضاء، وضربات القلب، وحركة الأطراف. كذلك يكشف هذا الفحص عن كمية السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين، وهو عنصر أساسي لنموه.
تشير أبحاث المعهد الوطني للصحة في بريطانيا (NHS, 2021) إلى أنّ الإيكو المبكر يساعد في اكتشاف 60% من التشوّهات الخلقية خلال الثلث الأول من الحمل. إضافةً إلى ذلك، يعطي صورة واضحة عن وضعية المشيمة، وهو أمر مهم لتجنّب النزيف أو المضاعفات خلال الولادة.
فحص السكري الحملي
يُعتبَر السكري الحملي حال شائعة، تظهر عند نسبة تقدَّر بـ 10% من النساء الحوامل حول العالم. هذا الفحص يتمّ عادة بين الأسبوع 24 و28 من الحمل. يتمّ عبر شرب محلول سكّري ثم قياس مستوى الغلوكوز في الدم.

هذا الاختبار يساعد الطبيب على تحديد قدرة الجسم على التعامل مع السكّر خلال الحمل. التغيّرات الهرمونية قد تقلّل حساسية الخلايا للإنسولين، ما يرفع مستوى الغلوكوز. لذلك، يُعتبر الكشف المبكر خطوة أساسية لتجنّب المضاعفات.
إهمال هذا الفحص قد يعرّض الجنين لزيادة غير طبيعية في الوزن، أو مشاكل تنفّسية بعد الولادة. كما قد يزيد خطر إصابة الأم بارتفاع الضغط أو تسمّم الحمل. إضافةً إلى ذلك، يرفع السكري الحملي احتمال تعرّض الأم لاحقًا لمرض السكري من النوع الثاني بنسبة تصل إلى 50% بحسب الجمعية الأمريكية للسكري (ADA, 2022).
أيضًا، إذا شُخّصت الحال في الوقت المناسب، يمكن السيطرة عليها غالبًا عبر تعديل النظام الغذائي، وزيادة النشاط البدني البسيط، وأحيانًا باستخدام الإنسولين. هذه الإجراءات البسيطة تقلّل كثيرًا من المخاطر وتحافظ على سلامة الجنين حتى الولادة.
فحص ضغط الدم والمتابعة القلبية
يُعتبَر ضغط الدم مرآة مباشرة لصحة الأم والجنين. ارتفاع الضغط خلال الحمل قد يكون إشارة إلى تسمّم الحمل، وهي حال مهدّدة للحياة إذا لم تُعالج. المتابعة المنتظمة للضغط تكشف أي خلل باكرًا، ما يسمح للطبيب باتخاذ الإجراءات اللازمة.
كما أنّ فحص القلب بالمراقبة الدورية يطمئن على انتظام ضربات قلب الجنين. تشير إحصاءات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية (CDC, 2023) إلى أنّ التشخيص المبكر لتسمّم الحمل يقلّل الوفيات بنسبة تفوق 25%.
فحص النمو الجيني والتحاليل الوراثية
هذا الفحص يُجرى عبر تحليل دم الأم أو أخذ عيّنة من السائل الأمنيوسي. يهدف إلى الكشف عن متلازمات وراثية مثل متلازمة داون أو أمراض صبغية أخرى. ورغم أنّ هذا الفحص ليس إلزاميًا، إلّا أنّه يُعطي العائلة صورة دقيقة عن صحة الجنين.

أوضحت الدراسات الوراثية الحديثة أنّ التشخيص المبكر يوفّر خيارات أفضل للعلاج أو التحضير النفسي والطبي للأهل. أيضًا يُسهم في وضع خطة متابعة خاصة تراعي وضع الجنين منذ الأشهر الأولى.
الخلاصة
ختامًا، إنّ إجراء الفحوصات الضرورية لسلامة الجنين ليس ترفًا طبيًا، بل وسيلة أساسية تضمن نموّه السليم وحماية الأم في الوقت نفسه. كل فحص يكشف جانبًا مختلفًا من صحة الحمل، وكل إهمال قد يفتح بابًا لمضاعفات يصعب السيطرة عليها لاحقًا. من فحص الدم إلى الإيكو، ومن اختبار السكري إلى الضغط، ومن الفحوصات الوراثية إلى المتابعة المستمرة، جميعها تشكّل شبكة أمان للجنين. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ متى يكتمل نمو الجنين وما هي العلامات التي تؤكد لكِ ذلك؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ المرأة الذكيّة هي التي تضع هذه الفحوصات في أولويّاتها منذ بداية الحمل. فهي لا تحمي طفلها فقط، بل تمنح نفسها راحة بال وطمأنينة طوال الرحلة. لذلك، أنصح كل سيّدة بألّا تؤجّل موعدًا طبيًا، وألّا تستهين بأي تفصيل. لأنّ صحّة الجنين لا تنتظر، وأي تقصير قد يترك أثرًا يدوم العمر كله.