الولادةُ رحلةٌ مليئة بالمشاعر، وتأتي علامات الولادة الطبيعية لتكون إشارات دقيقة يخبر بها الجسد أنّ موعد استقبال المولود قد اقترب. تساعد هذه العلامات على التحضير النفسي والجسدي، وتمنح المرأة راحة وطمأنينة أكبر بدل الشعور بالتوتّر والقلق المفاجئ عند بدء المخاض.
ولأنّ الموضوع يهمّ كل حامل، سنشرح اليوم بشكلٍ علمي أهم العلامات المؤكّدة للولادة، ونقدّم خمس فقرات تبيّن التغيّرات الجسدية التي تسبق الولادة مباشرة. مع ذكر أبرز الفروقات بينها وبين الإنذارات الكاذبة. ثم نختم بخلاصة عملية تساعدك على الاستعداد في الوقت المناسب.
تقلّصات الرحم المنتظمة
تُعَدّ تقلّصات الرحم المنتظمة المؤشّر الأبرز الذي يعلن بدء المخاض. في البداية قد تشعر المرأة بآلام خفيفة متباعدة تشبه آلام الدورة الشهرية. ثم تتقارب الفترات بين كل تقلّص وآخر تدريجيًّا. مع مرور الوقت تزداد شدّة الألم ويصعب التحدّث أو الحركة أثناء التقلّص.

تؤكّد الدراسات أنّ تقلّصات الولادة تختلف عن تقلّصات براكستون هيكس التي تكون غير منتظمة وتختفي مع الراحة أو شرب الماء. أمّا تقلّصات الولادة فتبقى متزايدة مهما غيّرت المرأة وضعيتها. وهي دليل مباشر على فتح عنق الرحم وتهيّئه لنزول الطفل. لذلك، عند ملاحظة تقلّصات منتظمة كل عشر دقائق أو أقل، يجب التوجّه إلى المستشفى فورًا.
نزول السدادة المخاطية
قبل الولادة يتكوّن سدّ مخاطي في عنق الرحم ليشكّل حاجزًا واقيًا يمنع مرور الجراثيم إلى الرحم ويحافظ على سلامة الجنين. يتكوّن هذا السدّ من مادة لزجة سميكة تحتوي أجسامًا مضادة تؤمّن طبقة حماية طبيعية طوال فترة الحمل.
ومع اقتراب الولادة، يبدأ عنق الرحم بالتليين والتمدّد بفعل الهرمونات، فيتفكّك السدّ تدريجيًّا ويخرج إمّا دفعة واحدة أو على شكل كتل متقطّعة. غالبًا تكون الإفرازات شفّافة أو تميل إلى الوردي أو البني بسبب اختلاطها بالقليل من الدم، ويُطلق عليها الأطباء اسم “العرض الدموي”.
يُعدّ نزول السدادة علامة مهمّة لأنّه دليل على أنّ عنق الرحم بدأ بالتغيّر استعدادًا للمخاض. لكنّها لا تعني بالضرورة أنّ الولادة ستحدث مباشرة. فقد يسبق نزولها الولادة بساعات عند بعض النساء أو أيّام عند أخريات، وهذا أمر طبيعي. لذلك من المهمّ مراقبة الجسم بدقّة في هذه المرحلة والانتباه إلى تقلّصات الرحم المتكرّرة أو أي تغيّر في حركة الجنين في الرحم. وإذا ترافقت السدادة مع نزيف غزير أو آلام حادّة، يجب مراجعة الطبيب فورًا للتأكّد من سلامة الحمل.
تغيّر وضع الجنين ونزوله إلى الحوض
من العلامات المبكرة التي تشعر بها المرأة نزول رأس الجنين إلى الحوض، وهو ما يُعرف طبيًّا بالـ Lightening. عندها تشعر الحامل بخفّة في التنفّس لأنّ الرحم لم يعد يضغط على الحجاب الحاجز بقوّة. لكنّها قد تلاحظ زيادة الضغط على المثانة والحاجة المتكرّرة للتبوّل.

هذا التغيير مهم لأنه يهيّئ قناة الولادة ويمكّن رأس الجنين من اتخاذ الوضعية المثالية. غالبًا يحدث هذا النزول قبل أسابيع قليلة من الولادة لدى الأمّ البكرية. بينما يحدث متأخّرًا عند النساء اللواتي سبق لهنّ الولادة. يوصي الأطباء بالمشي الخفيف لتسهيل نزول الجنين وتحريك الحوض بشكل طبيعي.
تمزّق الأغشية ونزول ماء الجنين
تمزّق الأغشية أو ما يُعرف بـ “نزول الماء” يُعَدّ من أبرز علامات الولادة الطبيعية وأكثرها وضوحًا، ولا يمكن تجاهله على الإطلاق. يحدث هذا التمزّق عندما ينفتح الكيس الأمنيوسي المحيط بالجنين، فيخرج السائل الأمنيوسي الذي كان يوفّر له الحماية والدفء طوال فترة الحمل. وقد يكون خروج الماء مفاجئًا بغزارة فيشعر به الجميع، أو تدريجيًّا على شكل قطرات متقطّعة تشبه تسرّب البول. ما قد يسبّب التباسًا عند بعض النساء.
من المهمّ ملاحظة لون السائل ورائحته، إذ يجب أن يكون شفافًا وعديم الرائحة تقريبًا. إذا كان السائل مائلًا إلى الأخضر أو بنيًّا فقد يدلّ ذلك على وجود عقيّ في السائل الأمنيوسي. وهو أمر يحتاج تدخّلًا طبيًّا سريعًا لتجنّب أي نقص في الأوكسجين لدى الجنين.
عند حدوث تمزّق الأغشية، يُنصح بالتوجّه مباشرة إلى قسم الولادة وعدم الانتظار طويلًا، لأنّ انفتاح الكيس الأمنيوسي يسهّل دخول البكتيريا إلى الرحم ويرفع خطر الالتهاب. وغالبًا ما يبدأ المخاض بشكل تلقائي خلال ١٢ إلى ٢٤ ساعة من نزول الماء، لكن في حال لم تبدأ التقلّصات، قد يقرّر الطبيب تحفيز الولادة طبيًّا باستخدام الأوكسيتوسين لضمان سلامة الجنين. كذلك قد تُجرى فحوصات لمراقبة نبض قلب الطفل والتأكّد من أنّه بحال جيّدة حتى لحظة الولادة.
تغيّرات في المزاج والجسم
من العلامات التي قد لا تنتبه إليها كثير من النساء تغيّر المزاج والطاقة قبل الولادة. بعض النساء يشعرن باندفاع قوي لترتيب المنزل أو تجهيز الحقيبة في ما يُعرف بـ “غريزة التعشيش”. بينما تشعر أخريات بإرهاق ورغبة في الراحة التامة.

كذلك قد تلاحظ الحامل إسهالًا خفيفًا أو ارتخاء في المفاصل نتيجة ارتفاع هرمون الريلاكسين الذي يساعد الحوض على التوسّع. كما يمكن أن تترافق هذه المرحلة بآلام في أسفل الظهر أو شدّ في الفخذين. وهي مؤشّرات إضافية على اقتراب الولادة.
في النهاية، إنّ معرفة علامات الولادة الطبيعية تساعد المرأة على التصرّف في الوقت المناسب وتخفّف من الشعور بالقلق المصاحب لهذه المرحلة. التقلّصات المنتظمة، ونزول السدادة المخاطية، وتغيّر وضع الجنين، وتمزّق الأغشية، وتغيّرات المزاج والجسم هي إشارات أساسية ينبغي التنبّه لها بدقّة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ ماذا يحدث لهرموناتكِ في كل مرحلة من الحمل؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي المرأة بهذه العلامات يمنحها قوّة وسيطرة أكبر على تجربتها، ويجعلها تتّخذ القرارات بثقة وهدوء. أنصح كل حامل بمتابعة التغيّرات اليومية، والاستعانة بفريقها الطبي فور ظهور أي علامة مؤكّدة، لضمان ولادة آمنة وطمأنينة نفسية لها ولطفلها.