سؤال اليوم: علاقة جسدية بلا مشاعر.. هل يمكن أن تدوم؟ سؤلًا يُثير جدلًا واسعًا في المجتمعات الحديثة. مع تغيّر المفاهيم حول الحب، والزواج، والروابط العاطفية، بدأت تظهر أنماط جديدة من العلاقات. من بينها، علاقات قائمة فقط على الجسد، من دون روابط وجدانية أو التزامات عاطفية. هذا النوع من العلاقة قد يبدو بسيطًا وسهلًا في ظاهره، لكن هل يمكن له أن يستمر مع مرور الوقت من دون أن يتأثر أحد الطرفين أو كلاهما؟ وهل الجسد وحده كافٍ لإشباع الاحتياج الإنساني الكامل؟ أم أنّ هذه الحال ستؤدّي إلى كثرة المشاكل الزوجيّة؟
في هذا المقال، سنتناول الموضوع من عدّة جوانب. سنبدأ بتعريف العلاقة الجسدية الخالية من المشاعر، ثم ننتقل إلى الأسباب التي تدفع البعض لقبولها. بعدها، نستعرض أبرز الآثار النفسية والسلوكية التي تترتب عليها، مدعومة بنتائج علمية. وأخيرًا، نناقش إمكانية استمراريتها على المدى الطويل، مع رأي علم النفس والاجتماع.
ما هي العلاقة الجسدية من دون مشاعر؟
عندما نقول “علاقة جسدية بلا مشاعر”، فإننا نقصد ارتباطًا يقوم فقط على الرغبة الجنسية، من دون أي التزام عاطفي أو عاطفة حقيقية. لا حب، أو غيرة، أو حتّى وعود، بل مجرّد تفاعل جسدي مؤقت أو متكرّر. غالبًا ما تكون هذه العلاقة “اتفاقًا صريحًا” بين الطرفين، يهدف إلى تلبية احتياجات جسدية بدون التورط في تعقيدات المشاعر.

لكن، في الواقع، الإنسان بطبيعته كائن عاطفي. وحتى إن حاول الفصل بين الجسد والمشاعر، فإن التكرار، والحميمية، واللقاءات المتكررة، يمكن أن تفتح أبوابًا للمشاعر من حيث لا يدري. وهنا تبدأ التعقيدات.
لماذا يلجأ البعض إلى هذه العلاقة؟
تُشير دراسات علم النفس الاجتماعي إلى أن بعض الأفراد يلجؤون إلى هذا النوع من العلاقات بسبب تجارب سابقة مؤلمة، مثل خيانة عاطفية أو طلاق قاسٍ. فيبحثون عن علاقة “خفيفة”، لا تتطلب التزامًا أو ألمًا نفسيًا. البعض الآخر يتأثر بثقافة “العلاقات المفتوحة” التي تروّج لها بعض وسائل الإعلام، وتدفعهم لتجريب الحرية الجسدية بعيدًا عن المشاعر.
أيضًا، تشير أبحاث من جامعة نيويورك إلى أن بعض الشباب يدخلون هذه العلاقات كوسيلة للهروب من الوحدة، أو بدافع الفضول، أو بسبب انخفاض تقدير الذات. ممذا يجعلهم يبحثون عن القبول الجسدي بدل العاطفي.
ما هي الآثار النفسية لعيش علاقة بلا مشاعر؟
في البداية، قد يعتقد الطرفان أن هذه العلاقة آمنة وسهلة. لكن مع مرور الوقت، تبدأ بعض الآثار النفسية في الظهور. على سبيل المثال:

- الفراغ العاطفي: رغم إشباع الجانب الجسدي، يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بفراغ داخلي. وذلك لأنّ الاحتياج العاطفي لم يُلبَّ.
- التعلّق غير المقصود: تشير دراسة نُشرت في مجلة Journal of Sex Research إلى أن الجسم يُفرز هرمون الأوكسيتوسين أثناء العلاقة الحميمة. وهو هرمون يرتبط بالمودّة والتقارب العاطفي. ما يعني أن المشاعر قد تتطوّر من دون وعي.
- انخفاض احترام الذات: بعض الأشخاص، خاصة النساء، يشعرن بعد فترة بأنهن يُستخدمن فقط لأغراض جسدية. مما يؤدي إلى تراجع ثقتهم بأنفسهم.
- القلق والشعور بالذنب: خاصّةً في المجتمعات التي تُقدّر العلاقات الرسمية أو الروابط العاطفية. ممّا يخلق نوعًا من التوتر الداخلي.
هل يمكن أن تدوم هذه العلاقة؟
السؤال الأساسي هو: علاقة جسدية بلا مشاعر.. هل يمكن أن تدوم؟ الإجابة، من وجهة نظر علم النفس والسلوك، هي: نادرًا ما تدوم. لأن أحد الطرفين، عاجلًا أو آجلًا، سيبدأ بالشعور بشيء ما، سواء تعلق، غيرة، أو حتى إحباط. العلاقة التي تُبنى فقط على الجسد تفتقر إلى أعمدة الاستقرار.
كما أن العوامل الخارجية، مثل الغيرة من دخول طرف ثالث، وتغيّر المشاعر، أو الرغبة في تأسيس علاقة حقيقية، تُضعف هذه العلاقة تدريجيًا. تؤكّد الباحثة هيلين فيشر المختصّة في علم الإنسان البيولوجي، أن العلاقات التي تفتقر إلى العمق العاطفي غالبًا ما تتفكك بسرعة، لأنّها لا تُشبع الاحتياج النفسي الأساسي للانتماء والحب.
بالإضافة إلى ذلك، تشير دراسة من جامعة هارفارد نُشرت عام 2020 إلى أن العلاقات التي ترتكز فقط على الجسد دون عاطفة تستمر في المتوسط لمدة أقصاها ستة أشهر. وهي غالبًا ما تنتهي بمشاعر من الإحباط أو الحزن.
ما البدائل الصحية لعلاقات كهذه؟
بدل الدخول في علاقة جسدية بلا مشاعر، الأفضل التفكير في علاقات صحية متوازنة. العلاقات التي تجمع بين الجسد والعاطفة، والاحترام والرغبة، هي الأكثر توازنًا. ويمكن لمن لا يرغب في الارتباط الرسمي أن يوضّح ذلك بصدق وشفافية، مع تحديد الحدود، لتجنّب الأذى للطرف الآخر.

كما أنّ التوجيه النفسي والدعم العاطفي يمكن أن يساعد الأشخاص الذين يميلون لهذا النوع من العلاقات على فهم دوافعهم، وتطوير علاقات أكثر استقرارًا نفسيًا.
الخلاصة
في النهاية، لا يمكن إنكار أنّ عيش علاقة جسدية بلا مشاعر تُمثّل ظاهرة متزايدة في المجتمعات الحديثة. لكن من المهم فهم أن الإنسان يحتاج إلى توازن بين الجسد والعاطفة ليشعر بالاكتفاء. العلاقة الخالية من المشاعر قد تبدو ممتعة في البداية، لكنها نادرًا ما تترك أثراً إيجابيًا على النفس أو تدوم طويلًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ متى تصبح العلاقة الحميمة مجرد “واجب زوجي”؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن العلاقات يجب أن تُبنى على أسس إنسانية شاملة، تجمع بين الرغبة الجسدية والاحترام العاطفي. العلاقة الجسدية وحدها لا تكفي، ولا يمكن أن تحلّ محل الحنان والدعم والتواصل العميق. ربما يعيش البعض في وهم السيطرة على مشاعرهم، لكنّ الحقيقة البيولوجية والنفسية تثبت أن القلب لا ينفصل عن الجسد بهذه السهولة. الحوار، والوعي، والاحترام هي ما يصنع علاقة تستحق أن تستمر.