ما رأيكِ لو قلتُ لكِ إنّ هذين التوأمين الصغيرين يبلغان من العمر فعليًّا 33 عامًا؟ نعم، الأمر ليس مجازًا. الطفلان تيموثي وليديا ريدغواي وُلِدا في عام 2022، ولكن أُجنّتهما جُمّدت منذ عام 1992، أي قبل ولادتهما بثلاثة عقود! لم يسبق لأي جنين مجمّد أن عاش كل هذه المدة ليُولد بعدها. وها هما الآن يُصنّفان كأقدم أجنّة مُجمَّدة ناتجة عن الحقن المجهري على الإطلاق تُسفر عن ولادة ناجحة.
في هذه المقالة، سنُرافقكِ في رحلةٍ داخل عالم تقنيات تجميد الأجنة، ونُعرّفكِ على الدور المحوري الذي تؤدّيه التكنولوجيا في تغيير مفاهيم الزمن والإنجاب. سنكشف معًا كيف تطوّر العلم ليُعطي الأمل لعائلات كثيرة حول العالم، وسنطرح أسئلة مهمّة عن المستقبل، عن الأخلاقيات، وعن معنى “العمر الحقيقي” في عصر يمكن فيه تجميد الحياة نفسها!
تقنية تجميد الأجنة: من فكرة طبية إلى معجزة واقعية
بدأ الأطباء منذ عقود في استخدام تقنية التجميد للحفاظ على الأجنة الناتجة عن عمليات الإخصاب في المختبر (IVF). كانت هذه التقنية تُستخدم بهدف إعطاء الأزواج فرصة لاحقة للحمل، من دون الحاجة لإعادة العملية من جديد. يقوم الأطباء بتخزين الأجنة في سائل النيتروجين عند درجة حرارة تقارب -196 درجة مئوية. بهذه الطريقة، تُجمَّد كلّ العمليات الحيوية داخل الخلية، ويتوقف الزمن بالنسبة للجنين!

اليوم، تسمح هذه التقنية بالحفاظ على الأجنة لعشرات السنين من دون أن تفقد قابليتها للحياة. وهو ما أثبته التوأمان تيموثي وليديا.
من تبرّع مجهول إلى عائلة كاملة
تبدأ قصّة التوأمين مع زوجين مجهولين قرّرا، بعد نجاح تجربتهما مع الإخصاب، التبرّع بالأجنّة الزائدة لغيرهما من الأزواج. تمّ الاحتفاظ بهذه الأجنة في بنك خاص لمدة 30 عامًا. لاحقًا، تقدّم الزوجان رايتشل وفيليب ريدغواي لتبنّي هذه الأجنّة عبر منظمة غير ربحية مختصّة بالتبرّع بالأجنّة المجمدة.
المفاجأة أنّ الزوجين لم يُظهرا أي قلق بشأن “عمر” الأجنّة. بل رأوا في الأمر فرصة فريدة لإنجاب أطفال مهما كانت خلفيتهم الجينية أو عمرهم الزمني في التجميد.
كيف تؤثر مدة التجميد على صحة الجنين؟
يعتقد البعض أن الأجنّة تفقد جودتها أو قابليتها للحياة مع مرور الوقت، لكن العلم يُثبت العكس. تُظهِر الدراسات أن الأجنة المجمدة لسنوات طويلة تبقى سليمة تمامًا، بشرط حفظها بالشكل الصحيح منذ البداية. في حال التوأمين، لم يرصد الأطباء أي خلل وراثي أو صحّي. بل وُلِد الطفلان بصحة ممتازة، كأيّ مولودٍ حديث.
هذا الإنجاز يفتح الباب أمام إعادة النظر في بعض القوانين والقيود التي تُفرَض على تخزين الأجنّة في بلدان كثيرة.
ماذا يعني ذلك للمستقبل؟
مع تطوّر تقنيات التجميد والتخزين، ستزداد فرص الأزواج الذين يُواجهون صعوبات في الحمل. أيضًا، ستُتاح للأشخاص المُقبلين على العلاج الكيميائي أو العمليات الطبية المُهدّدة للخصوبة فرصة حفظ أجنّتهم لاستخدامها لاحقًا. الأهم من ذلك، أنّ هذه التقنيات قد تُغيّر وجه العائلات في المستقبل. إذ يمكن لطفلين أن يُولدا من جنينين مخلوقين قبل عقود، ومن آباء ليسوا بالضرورة هم من خلقهم جينيًّا.
في النهاية، تبقى قصّة تيموثي وليديا دليلًا حيًّا على أنّ حدود الزمن بدأت تتلاشى بفضل العلم. تقنيات حفظ الأجنّة تُشكّل اليوم ثورة حقيقية في عالم الإنجاب. وما التوأمان إلّا بداية لسلسلة من التحوّلات الكبرى التي تنتظرنا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أكثر الخرافات انتشارًا حول الحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ هذا الإنجاز يُجسّد أولًا قدرة العلم على حفظ الحياة، وثانيًا على منح الأمل والفرح لعائلات كثيرة. في الواقع، لم تتوقّع هذه العائلات يومًا أن تحضن طفلًا من الماضي. ومن هنا، لا تُشبه هذه القصّة الخيال فقط، بل تتجاوزه بكثير، وتُثبت لنا مرة بعد مرة أن المستقبل يصنعه العلم.