هل انشغالكِ اليومي يسحب منكِ أجمل لحظاتكِ العائلية؟ هذا السؤال يطرق أبواب الكثير من الأمهات والزوجات في زمن تتسارع فيه الأحداث وتزداد فيه المسؤوليات. العمل، والهاتف، والتزامات المنزل، والواجبات الاجتماعية.. جميعها عوامل تُبعدكِ يومًا بعد يوم عن دفء العائلة ولحظاتها الصغيرة التي تبني الروابط وتعزّز الشعور بالانتماء. للأسف، تتسلّل هذه الانشغالات إلى قلب حياتكِ، فتسرق أجمل اللحظات من دون أن تنتبهي. ما يؤدّي إلى تدمير أجواء الحياة العائلية المرحة والسعيدة.
في هذا المقال، سنناقش معكِ آثار الانشغال المفرط على العلاقة العائلية، مدعّمة بأهم الدراسات النفسية والاجتماعية. ثم نقدّم حلولًا بسيطة وعملية لاستعادة التوازن بين المهام اليومية والعلاقة الأسرية، حتى تعودي أنتِ وعائلتكِ إلى ذلك الدفء الذي لا يُقدّر بثمن.
هل الانشغال الدائم يضعف الروابط العائلية؟
كلما زاد الانشغال، قلّ الحضور العاطفي.
تشير دراسة نشرتها مجلة Journal of Family Psychology عام 2021 إلى أن الانشغال المزمن يساهم بشكل مباشر في انخفاض جودة العلاقات الأسرية. فالوقت الذي تمضينه منشغلة ذهنيًا — حتى لو كنتِ جسديًا مع العائلة — يقلّل من شعور أفراد الأسرة بقيمتهم، ويخلق فجوة عاطفية.

الأطفال، على وجه الخصوص، يحتاجون إلى “الانتباه الكامل” وليس فقط الوقت. إذ يؤكد علماء النفس التربوي أنّ الطفل يُدرك غياب والديه العاطفي حتى في وجودهم الجسدي. هذا الغياب يخلق شعورًا بالوحدة، وقد يؤدّي لاحقًا إلى اضطرابات في التواصل أو تراجع في الثقة بالنفس.
التكنولوجيا: العدو الخفي للعلاقات العائلية
الهواتف الذكية تسحبكِ تدريجيًا من الواقع العائلي.
في دراسة أجرتها جامعة بوسطن عام 2019، وُجِدَ أنّ استخدام الأجهزة الذكية أثناء التفاعل الأسري يقلّل من جودة العلاقة بين الزوجين، ويؤثّر سلبًا على سلوكيات الأطفال.
عندما تُنهي يومكِ في العمل وتعودين للمنزل، ما الذي تفعلينه أولًا؟ تتفقدين الهاتف؟ تتابعين البريد الإلكتروني؟ تقرئين منشورًا على وسائل التواصل؟ كل هذه الأفعال البسيطة تسرق من يومكِ دقائق. لكنها تسرق من علاقتكِ العائلية مشاعر وأحاسيس يصعب تعويضها لاحقًا.
التكنولوجيا ليست المشكلة، بل طريقة استخدامها. لا بد من فصل أوقات العمل عن أوقات العائلة، ووضع حدود واضحة لاستخدام الهاتف في المنزل.
أهمية تمضية الوقت النوعي في بناء الذكريات
نوعية الوقت أهم من كميته. فالعديد من الأمهات يعتقدن أن البقاء لساعات طويلة مع العائلة كافٍ، ولكن علم النفس الأسري يرى الأمر بطريقة مختلفة.

تشرح الدكتورة Sue Johnson، المختصة في العلاج الأسري، أن لحظات التواصل العميق، مثل الضحك المشترك، والنظرة الحنونة، والحديث الصادق، تعادل في تأثيرها ساعات من التواجد غير الفعّال.
لذلك، خصّصي وقتًا نوعيًا ولو كان قصيرًا. اجلسي مع أطفالكِ لمدة 15 دقيقة فقط ولكن بكامل حضوركِ الذهني. اسأليهم عن مشاعرهم، واضحكي معهم، وتحدثي معهم بلغة الحب. هذه الدقائق تغرس الأمان في قلوبهم وتعزّز رابطتكِ بهم.
خطوات فعّالة لاستعادة اللحظات العائلية
يمكنكِ استعادة اللحظات الجميلة بخطوات بسيطة.
أولًا، حدّدي أوقاتًا ثابتة في يومكِ لا تقبل التفاوض، تكون فقط للعائلة. مثلًا: وجبة العشاء اليومية، أو ساعة بعد المدرسة، أو نزهة قصيرة أسبوعيًا.
ثانيًا، احذفي ما يُشتّت انتباهكِ. أغلقي الإشعارات، وضعي الهاتف في غرفة أخرى، واختاري لحظات الصمت لتملئيها بحضوركِ الحقيقي.
ثالثًا، طبّقي قاعدة “الساعة الذهبية”: خصّصي ساعة في اليوم لا تؤدّي خلالها بأي مهام، فقط شاركي العائلة الحديث، أو اللعب، أو حتى مشاهدة فيلم معًا.
رابعًا، شاركي زوجكِ المسؤوليّة. عندما يشعر شريككِ بأنكِ ملتزمة بالحياة العائلية، سيبادر بدوره لتوفير جو من التعاون والدعم، مما يعزّز التوازن بينكم.
هل انشغالكِ اليومي يسحب منكِ أجمل لحظاتكِ العائلية؟
السؤال الذي بدأنا به — هل انشغالكِ اليومي يسحب منكِ أجمل لحظاتكِ العائلية؟ — يستحق التوقف عنده كل ليلة.
الجواب يتعلّق بكِ، وبما تختارينه في تفاصيل يومكِ. كل دقيقة تهربين فيها إلى شاشة أو مهمة إضافية، هناك لحظة دافئة تُفقد من بين يديكِ. كل قرار تأخذينه لتخصيص وقت لأطفالكِ أو لزوجكِ، هناك رابط ينمو ويقوى.

العائلة ليست فقط مسؤولية، بل استثمار عاطفي طويل الأمد. عندما تهتمين بحياتكِ العائلية، فإنكِ تؤسسين لحاضر صحي ومستقبل مستقر نفسيًا لكِ ولأطفالكِ.
الخلاصة
هل انشغالكِ اليومي يسحب منكِ أجمل لحظاتكِ العائلية؟ الإجابة تبدأ منكِ. توقفي، وراجعي، وقرري أن تعيدي التوازن. الحياة العائلية لا تنتظر، واللحظات التي لا تعيشينها اليوم، لن تعود غدًا.
الاهتمام بالحياة العائلية لا يعني التخلي عن الطموح أو الأهداف الشخصية، بل على العكس، يمكن أن يشكّل أساسًا متينًا لتحقيق التوازن والنجاح في الجوانب الأخرى من الحياة. فكل ما يحتاجه الأمر هو تنظيم جيّد للوقت، ووعي بالأولويات، وإرادة حقيقية تمنح كل جانب من جوانب الحياة حقّه من دون أن يطغى أحدها على الآخر. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن خطوات بسيطة تعيد الانسجام إلى أجواء الحياة العائلية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن اللحظات العائلية هي التي تمنحنا القوة للاستمرار. هي ملاذنا حين تضيق الدنيا، وهي نبض الحياة الحقيقي. لذلك، أدعو كل امرأة أن تعي أن وقت العائلة ليس ترفًا، بل ضرورة نفسية، وقيمة لا تُقدّر بثمن.