الشغف في العلاقة هو المحرّك العاطفي الذي يمنح الزواج أو الارتباط طاقة دافئة وحياة متجددة. لكن مع ضغوط الحياة اليومية، والانشغال بالمسؤوليات، قد يبدأ هذا الشعور في الانطفاء تدريجيًا. ينتقل الشريكان من حرارة البدايات إلى برود عاطفي قد لا يلحظانه إلا بعد فترة. وهنا تبدأ التساؤلات: كيف نستعيد الحماسة؟ وهل يمكن إعادة إحياء الحب بعد أن يخفت بريقه؟
في هذا المقال، سنخوض رحلة عملية وعاطفية لإعادة الشغف من جديد. سنتناول الأسباب التي تضعف التواصل، ونستعرض استراتيجيات علمية ونفسية لإعادة الدفء. إضافةً إلى خطوات يومية تُعيد المبادرة والرغبة المتجددة بين الطرفين. سنعتمد على دراسات علمية في علم النفس الأسري ونربطها بتجارب حياتية واقعية.
فهم أسباب تراجع الشغف
قبل أي محاولة لإعادة الشغف في العلاقة، من المهم فهم العوامل التي تسببت في فتوره. تشير الأبحاث في Journal of Social and Personal Relationships إلى أن الروتين، وقلة التواصل العاطفي، وضغط العمل، من أكثر الأسباب شيوعًا لضعف الارتباط العاطفي بين الأزواج.

كما أن تراكم الخلافات الزوجية الصغيرة من دون حلّ، يؤدّي مع الوقت إلى شعور بالمسافة النفسية بين الطرفين. ينعكس هذا البعد مباشرة على الانجذاب العاطفي والجنسي. ما يجعل أيّ مبادرة لاستعادة الحماسة غير فعّالة إذا لم تُعالج الجذور.
الحلّ الأوّل هو المصارحة الصادقة، والاعتراف بالمشاعر من دون لوم أو انتقاد. الشفافية تفتح الباب أمام تقارب حقيقي وتُعيد الإحساس بالأمان العاطفي.
إعادة التواصل الجسدي واللفظي
من أبرز الطرق لإحياء الشغف في العلاقة هي إعادة بناء الجسور الحسية واللغوية بين الشريكين. التواصل الجسدي لا يعني العلاقة الحميمة فقط، بل يشمل اللمسات، والأحضان، والتقارب البسيط الذي يعيد إشعال الحميمية.
في دراسة أجرتها جامعة نورث كارولاينا، وُجِدَ أنّ العناق لمدّة 20 ثانية يوميًا يرفع مستويات الأوكسيتوسين، وهو هرمون الترابط العاطفي. هذا الهرمون يعزّز الشعور بالدفء والارتباط النفسي.
إلى جانب ذلك، الكلمات الحانية والإطراءات اليومية تصنع فارقًا كبيرًا. كلمات التقدير والاعتراف بجهود الشريك تجعله يشعر بالقيمة، وتفتح المجال أمام تجاوب أكبر مع أي مبادرة لإعادة الشغف.
كسر الروتين بتجارب جديدة
الملل من أكثر الأعداء الخفيين للعلاقات. لذلك، ينصح خبراء علم النفس العائلي بتجديد الأنشطة المشتركة لكسر الدائرة المكرّرة للحياة اليومية.

يمكن البدء باتّباع خطوات بسيطة مثل تجربة مطعم جديد، وممارسة هواية مشتركة، أو حتى السفر القصير إلى مكان لم تزوراه من قبل. وفق دراسة في Personality and Social Psychology Bulletin، فإن خوض أنشطة جديدة مع الشريك يزيد من إفراز الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بالسعادة والإثارة.
المهم أن تكون التجارب ممتعة لكليكما، وأن تحمل عنصر المفاجأة أو التغيير. ما يمنح العلاقة دفعة حقيقية نحو الحماسة.
الاستثمار في النمو الشخصي لكل طرف
في الحقيقة، لا تعني استعادة الشغف في العلاقة أن ينصبّ التركيز فقط على الطرف الآخر، بل يجب أن يبدأ من تطوير الذات. حين يعمل كل شريك على تحسين صحته الجسدية، وتنمية مهاراته، والحفاظ على مظهره، ينعكس ذلك على جاذبيته أمام الطرف الآخر.
يؤكّد علم النفس الإيجابي أنّ الأشخاص الذين يشعرون بالرضا عن أنفسهم يكونون أكثر قدرة على إعطاء الحب وتلقّيه. لذلك، من المهم أن يخصّص كل طرف وقتًا لنفسه، لممارسة الرياضة، وتعلّم شيء جديد، أو حتى العناية بالمظهر.
هذا الاستثمار الشخصي يخلق مساحة من الإعجاب المتبادل، ويعيد الرغبة الطبيعية في التقارب.
تحديد أوقات خاصة بلا مقاطعات
واحدة من أهم النصائح التي يقدّمها الخبراء لإعادة الشغف في العلاقة هي تخصيص وقت أسبوعي خالٍ من أي مشتتات، سواء كانت هواتف، وأطفال، أو عمل.

هذه الجلسات الخاصّة ليست فقط للحديث، بل يمكن أن تكون لمشاهدة فيلم، أو تناول عشاء رومانسي، أو حتى جلسة هادئة على الشرفة. الهدف هو منح الأولوية للعلاقة كما كانت في بداياتها.
الانتباه الكامل للشريك خلال هذه الأوقات يعيد بناء القرب العاطفي، ويجعل الحوار أكثر دفئًا وصدقًا. ممّا يمهّد الطريق لعودة الحماسة الطبيعية.
الخلاصة
إعادة الشغف في العلاقة رحلة تحتاج إلى وعي وصبر ومبادرة من الطرفين. الفتور أمر طبيعي في كل علاقة طويلة الأمد، لكن تركه دون علاج يفتح المجال للمزيد من البعد العاطفي. الحل يكمن في مزيج من الصراحة، والتجديد، واللمسات الصغيرة التي تعيد التذكير بسبب الحب من البداية.
مع الالتزام المستمر، تتحوّل المبادرات البسيطة إلى عادة، وتصبح العلاقة أكثر نضجًا وعمقًا، مع احتفاظها بتلك الشرارة التي تميّز البدايات. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعضرنا لكِ خطوات لإعادة الدفء لعلاقة متوترة ستُغيّر حياتك العاطفية تمامًا.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الشغف ليس شعورًا عابرًا، بل هو قرار يومي يتخذه الطرفان. يمكن لأي علاقة أن تستعيد دفئها إذا كان هناك استعداد حقيقي لبذل الجهد، وتقدير قيمة الشريك، وتغذية الحب بالأفعال قبل الكلمات. والأجمل أن هذه الرحلة لا تعيد فقط الحماسة، بل تصنع رابطًا أقوى يصمد أمام تحديات الزمن.