في اللحظات الأولى من حياة الرضيع، لا يشكّل الصوت مجرد موجة عابرة. بل يترسّخ كوسيلة تواصل أساسية تُغذّي الدماغ وتنشّط خلاياه. ورغم تعدّد الأصوات المحيطة، يبقى لصوت الأم وقعٌ استثنائي يوقظ الحواس ويُحرّك مناطق محدّدة في الدماغ.
ثمّة ما يشبه السحر في العلاقة بين الرضيع وأمه، وقد بدأ العلماء بفكّ شيفرة هذا الرابط المذهل. في هذه التدوينة، نكشف لكِ نتائج الدراسات الحديثة التي تؤكد أن صوت الأم لا يمرّ على أذن ودماغ الرضيع مرور الكرام. بل يُشعل مناطق معرفية وانفعالية في دماغه أكثر من أي صوت آخر.
دماغ الرضيع يتفاعل مع صوت الأم فورًا
في البداية، أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن مناطق مثل القشرة السمعية والحركية تنشط بقوّة عند سماع الرضيع لصوت أمه. هذه الاستجابة لا تظهر بنفس الحدّة عندما يسمع أصواتًا أخرى، حتى ولو كانت مألوفة.

يربط علماء الأعصاب هذه الظاهرة بالمرحلة الجنينية. حيث يبدأ الجنين بسماع نبضات قلب الأم وصوتها منذ الأسبوع السادس والعشرين من الحمل.
الصوت يعزّز التواصل العاطفي والمعرفي
بعد الولادة، يعتمد الرضيع على صوت الأم لتفسير العالم. عندما يتحدث إلى أمه أو يسمعها تغني له، يبدأ دماغه بإنشاء روابط عصبية تساهم في بناء اللغة، وتنمية الانتباه، وتعزيز الأمان العاطفي.
لهذا السبب، ينصح الأطباء الأمهات بالتحدث لأطفالهن حتى أثناء النوم أو الرضاعة. لأن التفاعل لا يحتاج إلى استجابة فورية بل إلى استمرارية السماع.
تأثير فوري على مراكز الذاكرة والانتباه
عند سماع الرضيع لصوت الأم، تنشط مراكز في الدماغ مرتبطة بالذاكرة والانتباه والتركيز. هذا ما يفسّر لماذا يهدأ الأطفال عادة عندما يسمعون أصوات أمهاتهم، مقارنة بأي صوت آخر.
في الواقع، أثبتت تجربة حديثة أن الرضع يفضّلون صوت أمهاتهم حتى عند سماعهم له وسط مجموعة أصوات أخرى. ممّا يدلّ على تعلّق دماغهم به بيولوجيًا.
صوت الأم يسهم في النمو السلوكي لاحقًا
على المدى البعيد، يؤثّر هذا التفاعل الدماغي على قدرة الطفل على التعلّم، وضبط الانفعالات، وبناء علاقات سليمة. كل لحظة ينصت فيها الرضيع لصوت أمه، تُشكّل حجرًا في أساس شخصيته وسلوكه.
من هنا، تظهر أهمية استخدام الصوت كوسيلة تربوية وتهذيبية منذ الشهور الأولى، وليس فقط كأداة تهدئة.
صوت الأم ليس مجرد وسيلة لتهدئة بكاء الرضيع، بل هو المفتاح الذهبي لتنشيط دماغه وتحفيز مراكزه العصبية والمعرفية. كل همسة، وكل أغنية، كل نغمة تصدر من الأم، تبني في داخل طفلها عالمًا من الأمان والنموّ والتعلّم. لذا، لا تتردّدي في أن تُكثري من الحديث مع طفلك، لأن صوتكِ بالنسبة له ليس صوتًا عاديًا، بل هو الحافز الأوّل الذي يوجّه دماغه نحو الاكتمال. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن دلالة لون براز الرضيع.