غالبًا ما تبدأ مشاكل الهضم عند الحامل منذ الأشهر الأولى، وتستمر حتى الأسابيع الأخيرة من الحمل. قد تشعرين بنفخة مزعجة بعد كل وجبة، أو تعانين من حرقة في المعدة، أو تجدين صعوبة في التبرز بسبب الإمساك المستمر. تُعتبَر هذه العوارض من الشكاوى الشائعة لدى النساء الحوامل، وتؤثّر بشكل مباشر على الراحة اليومية والمزاج العام.
في هذا المقال، سنتناول الأسباب الأساسية لهذه الاضطرابات الهضمية، ثم ننتقل إلى الحلول العملية السريعة التي أثبتت فعاليتها علميًا. سنتطرّق إلى دور التغذية، وبعض الأعشاب الآمنة، وتمارين بسيطة تُخفّف الضغط على الجهاز الهضمي. مع التركيز على نصائح مدروسة تستند إلى أبحاث طبية موثوقة.
التغيرات الهرمونية تؤثر على الجهاز الهضمي
خلال الحمل، يرتفع مستوى هرمون البروجستيرون في جسمكِ بشكل كبير. يؤدّي هذا الارتفاع إلى استرخاء العضلات الملساء، بما في ذلك عضلات الجهاز الهضمي. ونتيجة لذلك، تصبح حركة الأمعاء أبطأ، ما يسبب الانتفاخ، والغازات، وحتى الإمساك.
بحسب دراسة نُشرت في American Journal of Gastroenterology، فإنّ أكثر من 50% من النساء الحوامل يعانين من الإمساك المزمن نتيجة هذه التغيرات الهرمونية.
في البداية، قد لا تلاحظين التأثير مباشرة، لكن مع مرور الأسابيع، تبدأ مشاكل الهضم عند الحامل في الظهور تدريجيًا، وتُصبح جزءًا يوميًا من الروتين. ممّا يتطلّب تدخلًا ذكيًا لتفادي المضاعفات.
ضغط الرحم على المعدة يزيد من الحموضة
مع تطوّر الحمل، يبدأ الرحم بالتمدّد والضغط على الأعضاء المجاورة، خاصّةً المعدة والأمعاء. هذا الضغط يدفع أحماض المعدة إلى أعلى، مسبّبًا الشعور بحرقة المعدة الذي تعاني منه أغلب الحوامل، وخصوصًا في الثلث الثالث من الحمل.
هذا النوع من مشاكل الهضم عند الحامل يُعرَّف طبّيًا بالارتجاع المعدي المريئي (GERD)، وتزداد حدّته كلما كبر حجم الجنين. وتشير دراسات عدّة إلى أن حوالي 70% من الحوامل يعانين من حرقة المعدة، وغالبًا ما تكون شديدة ليلًا أو بعد تناول وجبة دسمة.
من المهم جدًا تقسيم الوجبات إلى كميات صغيرة، وتجنّب النوم بعد الأكل مباشرة، ورفع الرأس قليلًا أثناء الاستلقاء. وذلك لتقليل هذا الانزعاج من دون اللجوء لتناول الأدوية.
الإمساك المستمر يحتاج لحلول غذائية ذكية
يُعتبَر الإمساك من أكثر عوارض الحمل شيوعًا وإزعاجًا. تؤكّد الأبحاث أن سبب هذا الإمساك لا يقتصر فقط على التغيرات الهرمونيّة. بل أيضًا على قلة الحركة اليومية، ونقص الألياف في النظام الغذائي، وعدم شرب كميات كافية من الماء.
لحسن الحظ، يمكن التغلّب على هذه المشكلة عبر خطوات بسيطة وفعّالة. أولًا، ركّزي على تناول الخضار الورقية مثل السبانخ، والبقدونس، والنعناع الطازج. ثانيًا، أضيفي الشوفان والبذور الكاملة إلى إفطاركِ. وثالثًا، تناولي الفواكه الغنية بالألياف، مثل التين والمشمش المجفف، فهي تُسرّع حركة الأمعاء بلطف.
شرب كوب من الماء الفاتر في الصباح على الريق، مع عصرة ليمون، يساعد أيضًا على تحفيز الأمعاء. وهو حلّ طبيعي مجرّب منذ سنوات.
الأعشاب والمشروبات الدافئة تساعد على التخفيف
لا تستهيني بقوة بعض الأعشاب التي أثبتت فعاليتها في تهدئة الجهاز الهضمي خلال الحمل. لكن بالطبع، يجب اختيار الأعشاب المسموح بها للحامل وتناولها بكميات معتدلة.
من أهم هذه الأعشاب:
- الزنجبيل: يُساعد في تهدئة الغثيان والانتفاخ.
- البابونج: يُخفّف من التقلّصات والغازات في المعدة، ويدعم النوم الهادئ.
- النعناع: يُرخي عضلات المعدة، ويقلّل من الشعور بالحرقة.
يمكنكِ تحضير شاي الأعشاب بكمية قليلة من المكونات، وتناوله دافئًا بعد الوجبة الأساسية، لتجنّب التلبك المعوي. ولا تنسي استشارة طبيبتكِ قبل الانتظام على أي مشروب عشبي.
تمارين التنفّس والمشي تخفف الضغط
إحدى الطرق الفعّالة التي تساعد على الحدّ من مشاكل الهضم عند الحامل هي الحركة اليومية المنتظمة. الحركة تُنشّط الدورة الدموية، وتحفّز عمل الأمعاء.
لا تحتاجين إلى تمارين عنيفة. المشي لمدّة 20 إلى 30 دقيقة يوميًا بعد الغداء، يساعد في تقليل الانتفاخ وتحسين عملية الهضم.
كما يُنصح بممارسة تمارين التنفّس العميق، التي تُرخي عضلات البطن وتُخفف من التوتر العصبي الذي قد يزيد من شدّة العوارض.
أضيفي إلى ذلك تمارين التمدّد الخفيفة، خصوصًا في الثلث الثاني والثالث من الحمل. والتي تُقلّل من الضغط على المعدة وتُعزّز الشعور بالراحة.
الخلاصة
في البداية، تمرّ الحامل بتجارب جسدية غير مألوفة، ومن أبرزها مشاكل الهضم عند الحامل. بعد ذلك، تبدأ العوارض بالظهور تدريجيًا، وتُسبب الكثير من الإزعاج. مع ذلك، تستطيع الحامل التخفيف من هذه المشاكل بشكل واضح إذا اتّبعت نمط حياة صحي. ثم، يساعد النظام الغذائي المتوازن على تقليل العوارض تدريجيًا. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي بعض الخطوات البسيطة مثل المشي وشرب الماء إلى تحسين ملحوظ في راحة الجهاز الهضمي. في النهاية، عندما تلتزم الحامل بهذه العادات، تشعر بتحسّن فعلي من أول يوم.
التركيز على الأطعمة الغنية بالألياف، وشرب الماء بانتظام، والمشي الخفيف، وتناول بعض المشروبات العشبية. جميعها حلول ساعدت الكثير من النساء في تجاوز هذه المرحلة بأقل قدر من الانزعاج. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن طرق التعامل الآمن مع مغص البطن للحامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الحلّ الحقيقي يبدأ من الوعي، أولًا وقبل كل شيء. عندما تفهمين أسباب المشكلة، وتدركين طريقة تفاعل جسمكِ خلال الحمل، عندها يسهل عليكِ التعامل معها خطوة بخطوة. لذلك، لا تنتظري حتى تشتد العوارض، بل ابدئي من اليوم، ومن دون تأخير، باتباع النصائح التي ذكرناها سابقًا. فهي، من جهة، فعّالة، ومن جهة أخرى، آمنة ومدروسة علميًا. ومن هنا، حوّلي هذه المرحلة الدقيقة إلى تجربة صحية متوازنة. أخيرًا، امنحي نفسكِ وطفلكِ الراحة التي تستحقانها في كل يوم.
