كم مدة الولادة الطبيعية؟ سؤال تطرحه كلّ امرأة تقترب من موعد ولادتها، خصوصًا حين تسمع من قريباتها تجارب مختلفة تتراوح بين ساعات قصيرة وأيام طويلة من الانتظار. إنّ معرفة كم مدة الولادة الطبيعية ضرورية جدًّا، لأنّها تمنحكِ طمأنينة واستعدادًا نفسيًّا وجسديًّا للحدث الأهم في حياتكِ. في هذا المقال، نقدّم لكِ شرحًا علميًّا مبسّطًا عن المراحل الدقيقة للولادة، مدّتها، والعوامل التي تؤثّر فيها. إضافةً إلى تقديم نصائح تُساعدكِ على جعل التجربة أسهل وأقصر.
في البداية، سنوضح لكِ كيف تُقسَّم الولادة إلى مراحل. بعد ذلك، سنشرح المدة الطبيعية لكلّ مرحلة وفق ما ورد في الدراسات الطبية الحديثة. ثمّ سنبيّن العوامل التي قد تُطيل أو تُقصّر المدة، ونختم بنصائح مهمّة.
المراحل الرئيسة للولادة الطبيعية
قبل معرفة كم مدة الولادة الطبيعية يجب فهم المراحل الثلاث التي تمرّ بها كلّ ولادة:

- المرحلة الأولى: توسّع عنق الرحم.
- المرحلة الثانية: خروج الجنين.
- المرحلة الثالثة: خروج المشيمة.
كلّ مرحلة تختلف في مدّتها وحدّتها. تشير الدراسات إلى أنّ المرحلة الأولى هي الأطول، لأنّ الجسم يستعدّ تدريجيًّا لإخراج الطفل. تبدأ التقلّصات خفيفة ثمّ تزداد شدّةً وانتظامًا مع مرور الوقت. أما المرحلة الثانية فهي الأقصر لكنها الأصعب جسديًّا، لأنها لحظة الدفع. والمرحلة الثالثة هي الأخيرة، وتنتهي بخروج المشيمة خلال دقائق قليلة.
بحسب الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG)، يمكن للولادة الأولى أن تستمرّ بين 12 و18 ساعة، في حين تكون أقصر في الولادات التالية لتتراوح بين 6 و8 ساعات فقط. هذه الأرقام تبقى تقريبية لأنّ كلّ جسد يختلف عن الآخر.
المرحلة الأولى: التوسّع البطيء ثمّ السريع
في هذه المرحلة يبدأ الجسم بالإعداد الحقيقي للولادة. تتّسم هذه المرحلة بتوسّع عنق الرحم من 0 إلى 10 سنتيمترات، وتنقسم إلى قسمين:
- الطور الكموني (التمهيدي):
يُعتبر الأطول والأكثر تغيّرًا بين النساء. يمكن أن يستمرّ من 6 ساعات حتى 20 ساعة عند بعض الحوامل، خصوصًا في الولادة الأولى. خلاله، تبدأ التقلّصات على فترات غير منتظمة، كلّ 10 إلى 15 دقيقة تقريبًا، وتدوم حوالي 30 ثانية. - الطور النشط:
يبدأ عندما يتوسّع عنق الرحم من 6 إلى 10 سنتيمترات. التقلّصات تصبح أقوى وأكثر انتظامًا، بمعدّل كلّ دقيقتين إلى خمس دقائق. تشير دراسة منشورة في Journal of Obstetric Medicine (2018) إلى أنّ المدة المتوسّطة للطور النشط تبلغ حوالي 4 إلى 6 ساعات في الولادة الأولى، وأقلّ من 3 ساعات في الولادات اللاحقة.
من المهم جدًا مراقبة التقلّصات خلال هذه المرحلة. فالتوسّع السريع قد يكون علامة على قرب الولادة، أما البطء الشديد فقد يدلّ على حاجة لتدخّل طبي.
المرحلة الثانية: الدفع وخروج الجنين
تُعتبر هذه المرحلة الحاسمة والأكثر إثارة. تبدأ عندما يبلغ التوسّع الكامل لعُنق الرحم (10 سنتيمترات)، وتنتهي بولادة الطفل.

- عادةً ما تدوم هذه المرحلة بين 30 دقيقة وساعتين للمرأة التي تلد للمرة الأولى.
- أما في الولادات التالية فقد لا تتجاوز 20 إلى 40 دقيقة.
- تشير الدراسات إلى أن التقلّصات خلال هذه المرحلة تصبح أقوى وأقصر، كلّ 2 إلى 3 دقائق تقريبًا.
حسب Mayo Clinic، تُعتبَر هذه المرحلة اختبارًا لقدرة المرأة على التنفّس العميق والدفع المنتظم. كلّ دفعة تُساعد الطفل على التقدّم نحو قناة الولادة. كما يُنصح بتبديل الوضعيات، مثل الجلوس أو الركوع، لتسهيل نزول الجنين.
مدة هذه المرحلة تتأثّر بعوامل كثيرة مثل وزن الجنين، وقوة تقلّصات الرحم، ومدى خبرة المرأة السابقة بالولادة. لذلك تختلف الإجابة عن كم مدة الولادة الطبيعية من حالة لأخرى.
المرحلة الثالثة: خروج المشيمة
قد تبدو هذه المرحلة بسيطة، لكنها جزء أساسي من الولادة. تبدأ بعد خروج الطفل مباشرة، وتنتهي بخروج المشيمة والأغشية المحيطة به.
- تدوم غالبًا من 5 إلى 30 دقيقة.
- تُساعد التقلّصات الخفيفة في هذه الفترة على فصل المشيمة عن جدار الرحم.
- الأطباء غالبًا ما ينتظرون خروجها طبيعيًّا. لكن أحيانًا يُساعدون عبر ضغط لطيف على البطن أو إعطاء دواء لتسريع الانقباضات.
من المهم مراقبة المرأة خلال هذه المرحلة لتجنّب النزيف أو بقاء جزء من المشيمة داخل الرحم. بعد خروج المشيمة، يبدأ الرحم بالانكماش مجددًا لاستعادة حجمه الطبيعي خلال أيام قليلة.
بهذا نكون قد أجبنا علميًّا عن كم مدة الولادة الطبيعية كاملةً: تتراوح إجمالًا بين 6 و18 ساعة بحسب عدد الولادات وحال الجسم.
العوامل التي تؤثّر في مدة الولادة
الولادة ليست رقمًا ثابتًا، بل تتأثّر بعدّة عوامل طبيعية وصحية:

- عدد الولادات السابقة: الولادة الأولى دائمًا أطول.
- وضع الجنين: الوضعية الرأسية تسهّل الولادة، بينما الوضعية الخلفية تُبطئها.
- حجم الجنين: الأجنّة الأكبر حجمًا يمرّون بصعوبة من قناة الولادة.
- قوّة تقلّصات الرحم: كلّما كانت أكثر انتظامًا، قصُرت المدة.
- حالة الأم النفسية: التوتر والخوف يرفعان هرمون الأدرينالين الذي يُعيق إفراز الأوكسيتوسين المسؤول عن تقلّصات الرحم.
- عمر الأم: النساء الأصغر سنًّا عادةً تكون ولادتهن أسرع.
- الدعم أثناء الولادة: وجود شخص يقدّم المساندة العاطفية، مثل القابلة أو الزوج، يُقلّل المدة بشكل ملحوظ حسب دراسة من Cochrane Library (2020).
كما تبيّن أنّ ممارسة التمارين المعتدلة خلال الحمل، خصوصًا تمارين التنفّس والمشي، تساهم في تحفيز عضلات الحوض وتقصير مدة الولادة بنسبة تصل إلى 25%.
الخلاصة
ختامًا، يمكن القول إنّ تحديد كم مدة الولادة الطبيعية يعتمد على تفاعل مجموعة عوامل جسدية ونفسية وهرمونية. المعدّل العام يتراوح بين 6 و18 ساعة، مع اختلاف كبير بين امرأة وأخرى. المهمّ هو الاستعداد الجيّد، المتابعة الطبية الدقيقة، والحفاظ على هدوء النفس. الولادة ليست سباقًا بالزمن، بل رحلة طبيعية تقودكِ إلى احتضان طفلكِ للمرة الأولى. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن علامات قرب الولادة قبل أسبوع.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ معرفة تفاصيل الولادة منذ الأشهر الأولى من الحمل تُقلّل الخوف وتمنح المرأة قوة داخلية استثنائية. فكلّ دقيقة من تلك الساعات الطويلة هي طريق نحو حياة جديدة، ومعرفة كم مدة الولادة الطبيعية ليست مجرّد معلومة طبية. بل مفتاح للثقة بالنفس والاستعداد لتجربة لا تُنسى.