احذري من اعراض سن اليأس النفسية، فهي أول ما قد يُشعركِ بأنكِ لم تعودي كما كنتِ من قبل. تمرّ النساء خلال هذه المرحلة الحسّاسة بتقلّبات مزاجية، وشعور مفاجئ بالحزن، أو حتى نوبات قلق لا تفسير لها. تتغير الهرمونات، وتتغيّر معها استجابات الجسد والعقل، ما يجعل هذه المرحلة تحديًا حقيقيًا للمرأة.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أبرز اعراض سن اليأس النفسية التي قد تواجهينها. نوضح أسبابها العلمية، ونميّز بين ما هو طبيعي منها، وما يُعتبر جرس إنذار. كما نعرض سُبل التكيّف معها، ونكشف متى ينبغي التوجّه إلى المختصّين.
ما هو سن اليأس؟
فترة سن اليأس هي المرحلة التي تتوقّف فيها الدورة الشهرية لمدة 12 شهرًا متتاليًا، وغالبًا ما تحدث بين سن 45 و55 عامًا. خلال هذه الفترة، ينخفض مستوى هرموني الاستروجين والبروجسترون بشكل كبير. ما يؤثر ليس فقط على الجسم، بل على المزاج والحال النفسية أيضًا.
تؤكّد الدراسات أنّ هذه التحوّلات الهرمونية تُحدث خللًا في التوازن الكيميائي للدماغ. ممّا يزيد من احتمالية ظهور عوارض نفسية واضحة (Freeman et al., 2014).
أبرز عوارض سن اليأس النفسية
يسهم فهم العوارض في احتواء التغيّرات وتقليل حدّتها.
تشمل اعراض سن اليأس النفسية مجموعة من العلامات المزعجة، منها:
- القلق: شعور مستمر بالتوتر من دون سبب واضح.
- الاكتئاب: مزاج منخفض، وفقدان الاهتمام بالأشياء المعتادة، أحيانًا ترافقه أفكار سلبية.
- نوبات الغضب: عصبية مفاجئة وسرعة انفعال حتى تجاه الأمور البسيطة.
- صعوبة التركيز: الشعور بالارتباك أو النسيان المتكرر.
- اضطرابات النوم: كالأرق أو النوم المتقطع، مما يزيد من حدّة التوتر.
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Affective Disorders، فإن 20% من النساء يعانين من عوارض اكتئابية واضحة خلال هذه المرحلة، وقد تزداد النسبة لدى من لديهن تاريخ مرضي سابق في الصحة النفسية.
هل ما تشعرين به طبيعي؟
تمييز العوارض يساعد على التعامل معها من دون الشعور بخوف مفرط.
ليست كل اعراض سن اليأس النفسية مؤشرًا خطرًا. بعضها ناتج عن التقلّبات الهرمونية الطبيعية، ويمكن التعامل معه عبر أساليب بسيطة مثل تحسين نمط الحياة. لكن، عند استمرار ظهور العوارض لأكثر من شهرين، أو إذا أثّرت على علاقاتكِ اليومية أو قدرتكِ على العمل، هنا يجب التوقّف.
وفق الجمعية الأميركية لطب النساء (ACOG)، العوارض النفسية المرتبطة بسن اليأس غالبًا ما تكون عابرة. لكن في حال ترافقها مع شعور دائم بعدم الرغبة في الحياة أو التفكير في إيذاء الذات، فإن التدخل النفسي العاجل يصبح ضروريًا.
كيف تتعاملين مع هذه العوارض؟
خطوات واقعية وعلمية تساعدكِ على اجتياز المرحلة بثبات.
- النشاط البدني اليومي: يساعد المشي لمدة 30 دقيقة يوميًا في تقليل القلق وتحسين المزاج من خلال تحفيز إفراز الإندورفين.
- الغذاء المتوازن: اختاري أطعمة غنية بالأوميغا 3 والمغنيسيوم، مثل السمك والمكسرات، لدعم صحة الدماغ.
- النوم المنتظم: حاولي النوم والاستيقاظ في مواعيد ثابتة، وتجنّبي المنبّهات مساءً.
- الدعم الاجتماعي: لا تتردّدي في التحدث إلى صديقاتكِ أو الانضمام إلى مجموعات دعم نسائية.
- الاستشارة النفسية: في حال استمرار العوارض، الجئي إلى مختص نفسي لمساعدتكِ في العلاج السلوكي أو الدوائي.
أثبتت مراجعة بحثية نُشرت في Menopause Journal أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يُعد من أنجح الطرق في تخفيف عوارض القلق والاكتئاب المرتبطة بهذه المرحلة.
متى تصبح الأعراض مؤشر خطر؟
يُعَدّ رصد العلامات التي تحتاج تدخلًا فوريًا أمر بالغ الأهمية.
عندما تلاحظين تغيّرات شديدة، مثل البكاء اليومي، أو الإنعزال التام عن الآخرين، أو التفكير بأذى النفس، يجب عدم التأخّر في استشارة الأطباء. كذلك، إذا كانت العوارض تؤثّر على نومكِ لدرجة الإعياء، أو تمنعكِ من ممارسة مهامكِ الأساسية كأم أو عاملة، فإن المساعدة الطبية تصبح أولوية.
يُخفي العديد من النساء معاناتهن النفسية خجلاً أو خوفًا من الوصمة. لكنّ الحقيقة أن عوارض سن اليأس النفسية ليست ضعفًا، بل انعكاس لفترة بيولوجية معقّدة، تستحقّ كل الدعم.
ما علاقة التغيّرات النفسية بتجارب الحياة السابقة؟
الخلفية الشخصية والعاطفية تساهم في شدّة العوارض واستجابتك لها.
تؤدّي التجارب السابقة دورًا كبيرًا في تحديد مدى تأثركِ بـ اعراض سن اليأس النفسية. قد تكون المرأة التي مرّت بظروف قاسية أو صدمات سابقة أكثر عرضةً للمعاناة من نوبات القلق أو الاكتئاب في هذه المرحلة. كذلك، غياب الدعم العاطفي أو الشعور بالوحدة يزيدان من حدّة العوارض النفسية. تشير دراسات عديدة، منها ما نُشر في Psychological Medicine، إلى أن النساء اللواتي عانين من اضطرابات في علاقاتهن الزوجية أو فقدان أحد الوالدين في وقت مبكر أكثر عرضة لاضطرابات المزاج في سن اليأس. وهذا لا يعني أن التجارب الصعبة تُحتّم المعاناة، بل تُبرز أهمية وجود بيئة داعمة وحوار داخلي متزن يعزّز القبول والتكيّف.
تمرّ كل امرأة بتجربة سن اليأس بشكل مختلف. لكن معرفة العوارض، والتمييز بين الطبيعي منها وما يستدعي الانتباه، يشكّلان الخطوة الأولى للحفاظ على الصحة النفسية. من المهم ألا تهملي أي تغيّر في حالكِ المزاجية، بل واجهيه بالفهم، وبالعناية، وبالاحتواء. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفيّة التعامل مع سن اليأس عند المرأة المتزوجة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن بأن الحديث عن اعراض سن اليأس النفسية يجب أن يكون علنيًا وصريحًا، بعيدًا عن الخجل أو الصمت. لا عيب في الشعور بالقلق أو الحزن خلال هذه المرحلة، بل العيب في إنكار هذه المشاعر وتركها تتراكم. كل امرأة تستحق أن تُفهَم وتُدعَم وتُحاط بكل رعاية، لتجتاز هذه المرحلة بقوة وطمأنينة.
