لا تكمن أهمية التعبير عن المشاعر في العلاقة الزوجية الناجحة الاستهانة بها، فهي العمود الفقري لأي حياة مستقرة. الأزواج الذين يعبّرون بوضوح عن مشاعرهم يتمتعون بمستويات أعلى من الرضا العاطفي، بينما الصمت المستمر يفتح الباب أمام سوء الفهم والفتور. أظهرت دراسات نفسية حديثة أن الأزواج الذين يملكون مهارة التعبير العاطفي يعيشون فترة أطول معًا، كما يتمتعون بصحة نفسية أفضل.
في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل كيف يسهم التعبير العاطفي في تقوية الرابط بين الزوجين، ولماذا يكون الصمت في بعض المواقف أشد خطورة من أي كلمة جارحة. سنناقش دور الحوار في الوقاية من المشاكل، وأهمية الصراحة في تعزيز الثقة بين الزوجين، إضافةً إلى إضاءات علمية مدعومة بدراسات حديثة.
التعبير عن المشاعر أساس الاستقرار العاطفي
تحتاج العلاقات االزوجية الناجحة إلى تواصل صريح وواضح. حين يعبّر الزوجان عن مشاعرهما، ينجحان في خلق بيئة عاطفية آمنة. هنا، يصبح الحب مفهومًا وليس مجرد افتراض.

بحسب أبحاث في Journal of Marriage and Family، فإن التواصل العاطفي المستمر يقلّل من مستويات الشعور بالتوتر، ويزيد من الإحساس بالرضا. فالمشاعر غير المعبّر عنها تتحوّل مع الوقت إلى تراكمات سلبية، وقد تظهر لاحقًا في شكل خلافات متكررة أو انغلاق نفسي. لذلك، يعدّ التعبير العاطفي ممارسة وقائية أساسية تمنع الانفصال العاطفي.
من ناحية أخرى، تساعد الكلمات الصادقة على تعزيز الشعور بالانتماء. إذ يشعر كل طرف أنّه مفهوم ومسموع، وهو ما يحافظ على الحميمية بينهما.
الصمت الطويل: سلاح خفي يهدد العلاقة
الصمت في بعض المواقف قد يكون حكيمًا، لكنه حين يتحوّل إلى أسلوب دائم يصبح خطرًا على العلاقة. فالصمت يمنع التوضيح ويترك مساحة واسعة للتأويلات.
تبيّن دراسة صادرة عن American Psychological Association أن الأزواج الذين يلجأون إلى الصمت لفترات طويلة يعانون من تراجع ملحوظ في رضاهم العاطفي. والسبب أن غياب الحوار يجعل الطرف الآخر يعيش حال من القلق والشك. هنا، يصبح الصمت أكثر قسوة من أي كلام جارح.
إضافةً إلى ذلك، يفتح الصمت المجال لخيالات سلبية، فقد يفسّر الطرف الآخر هذا التجاهل على أنه نقص في الحب أو اهتمام. ومع مرور الوقت، يتحوّل هذا الشعور إلى برود يصعب علاجه.
التعبير العاطفي كأداة لحلّ الخلافات
كل علاقة تواجه خلافات، لكن طريقة التعامل معها هي التي تحدد مسارها. التعبير العاطفي الصحي يحوّل الخلاف من مواجهة سلبية إلى فرصة للتفاهم.
عندما يعبّر أحد الطرفين عن غضبه أو حزنه بوضوح، يسهُل على الآخر فهم السبب وتقديم الدعم. أظهرت دراسة في Journal of Social and Personal Relationships أنّ الأزواج الذين يتحدّثون عن مشاعرهم خلال الخلاف يصلون إلى حلول أسرع وأكثر استدامة.
إضافةً إلى ذلك، يعلّم التعبير العاطفي الطفل نموذجًا صحيًا للتواصل، فينشأ في بيئة تعرف قيمة الحوار والاعتراف بالمشاعر بدل الكتمان والإنكار.
الثقة تُبنى بالكلمات لا بالصمت
لا تولد الثقة في الزواج تلقائيًا، بل تُبنى عبر الحوار الصادق والمستمر. عندما يعبّر كل طرف عن مشاعره بوضوح، تتعزّز الثقة تدريجيًا.

من منظور علم النفس العاطفي، الاعتراف بالمشاعر يقوّي الرابط العصبي بين الشريكين، ويمنح كلًا منهما شعورًا بالأمان. فالكلمات الصريحة تعمل كجسر يربط العقول والقلوب معًا.
في المقابل، غياب التعبير يولّد فجوات يصعب ترميمها. لذلك، يعدّ الحديث عن الحب، والامتنان، وحتى عن الخوف أو القلق، ضرورة أساسية للحفاظ على زواج صحي طويل الأمد.
التعبير عن المشاعر يعزّز الصحة النفسية والجسدية
إلى جانب دوره في تقوية العلاقة، فإن التعبير عن المشاعر ينعكس بشكل مباشر على صحة الزوجين. فقد أظهرت أبحاث علمية في Journal of Health Psychology أن مشاركة المشاعر الإيجابية والسلبية تقلّل من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، مما يحمي القلب والجهاز المناعي. كما أن الأزواج الذين يملكون القدرة على الحديث عن عواطفهم يتمتعون بمستويات أقل من القلق والاكتئاب، ويشعرون بطاقة إيجابية تساعدهم على مواجهة ضغوط الحياة اليومية. هذا يعني أن الحوار العاطفي لا يحمي العلاقة فقط، بل يحمي الجسد والعقل أيضًا.
الخلاصة
باختصار، تتجلّى أهمية التعبير عن المشاعر في العلاقة الزوجية الناجحة في أنه العمود الذي يرفع أسس الثقة والتفاهم. الصمت المستمر، مهما بدا هادئًا، قد يفتح أبوابًا لمشكلات يصعب حلها لاحقًا. أما التعبير، فهو ليس ضعفًا بل قوّة، وهو الطريقة الأمثل لبناء علاقة متينة قائمة على الاحترام المتبادل.
إذًا، لا تدعي الصمت يتحوّل إلى جدار بينكِ وبين شريك حياتكِ. اجعلي من الكلمات وسيلة لحماية قلبكِ وقلبه، واحرصي على أن يبقى الحوار حاضرًا في كل تفاصيل حياتكما اليومية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن السبب الأول وراء انهيار العلاقات الزوجية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ التعبير عن المشاعر ليس مجرد خيار في العلاقة الزوجية، بل هو ضرورة نفسية وعاطفية. الكلمة الصادقة قادرة على ترميم الجراح، بينما الصمت الطويل قد يترك ندوبًا لا تزول بسهولة. لذلك، أنصح كل زوجين بأن يجعلا من الحوار عادة يومية، وبأن يعبّرا عن الحب والتقدير في كل فرصة، لأن العلاقة التي تبنى على المشاعر المعلنة تكون دائمًا أقوى وأقدر على مواجهة تحديات الحياة.