تُعدّ اعراض السكر النفسي من أكثر المشاكل الصحية التي تؤثّر في النساء في العصر الحديث، إذ تتداخل فيها العوامل الجسدية مع النفسية بطريقة دقيقة. ترتبط هذه الحال باضطرابٍ في تعامل الجسم مع الغلوكوز، لكنّها تتجاوز الجانب البيولوجي لتصل إلى المشاعر، والمزاج، وسلوك المرأة اليومي. وتُظهر الدراسات الحديثة أنّ النساء أكثر عرضة لهذه التقلّبات نتيجة التغيّرات الهرمونية الشهرية، وضغوط الحياة اليومية، والتوتر المزمن الذي يرفع إفراز الكورتيزول ويؤثّر مباشرة على سكر الدم.
في هذا المقال، نشرحُ بشكلٍ منهجي مراحل فهم الحالة وأبرز عوارضها. أولًا، نُعرّف المفهوم العلمي للسكر النفسي. ثانيًا، نُبيّن الأسباب المؤدية إليه. ثالثًا، نستعرض العلامات النفسية والعاطفية، ثم العلامات الجسدية والبيولوجية. وأخيرًا، نقدّم أهم النصائح العملية للوقاية والعلاج.
يشرح العلم مفهوم اعراض السكر النفسي عند النساء
يفسّر الطبّ الحديث اعراض السكر النفسي كاستجابةٍ معقّدة يسبّبها اضطراب الغلوكوز في الدم، حيث يؤدّي التقلّب بين الارتفاع والانخفاض إلى تغيّرات في عمل الدماغ والجهاز العصبي. تؤكّد دراسات من Harvard Health Publishing أنّ انخفاض الغلوكوز المفاجئ يفعّل الجهاز العصبي الودّي. ما يولّد توتّرًا وقلقًا وتهيّجًا عاطفيًا حادًا.

تشمل الحال تفاعلًا مباشرًا بين الهرمونات، مثل الأدرينالين والكورتيزول والأنسولين. تؤدّي هذه الهرمونات مجتمعةً دورًا أساسيًا في توازن الطاقة والمزاج. وعندما يختلّ هذا التوازن، تبدأ اعراض السكر النفسي بالظهور تدريجيًا على شكل توتّر دائم، وتعب مستمر، واضطراب في التركيز.
كذلك، تُظهر دراسات نُشرت في Journal of Psychosomatic Research أنّ النساء أكثر عرضة من الرجال لهذه الظاهرة بسبب التأثير الدوري للهرمونات الأنثوية على مستوى الغلوكوز. خاصّةً خلال الدورة الشهرية أو فترات الحمل وانقطاع الطمث.
تتنوّع العوارض النفسية والعاطفية بشكل ملحوظ
تبدأ اعراض السكر النفسي عادةً بتقلّبات حادة في المزاج. تشعر المرأة فجأةً بالعصبية أو الإحباط من دون سبب واضح. كما يظهر القلق كأحد أبرز المؤشرات المبكرة، خصوصًا في الصباح أو بعد تناول وجبة غنية بالسكريات.
تشير الدراسات إلى أنّ اضطراب السكر في الدم يغيّر تركيز الدوبامين والسيروتونين في الدماغ. وهما الناقلان العصبيان المسؤولان عن السعادة والتحفيز. عندما ينخفض مستواهما، يتراجع الإحساس بالراحة ويزداد الشعور بالحزن والتعب الذهني.
تتكرّر أيضًا حالات البكاء السريع، وصعوبة التحكّم في الانفعالات. كذلك، تظهر صعوبات في النوم بسبب النشاط الزائد للجهاز العصبي الذي يحاول موازنة انخفاض السكر. ومع مرور الوقت، قد تتطوّر الحال إلى اكتئاب مزمن أو نوبات هلع إذا لم تُعالج في الوقت المناسب.
لهذا السبب، يُنصح النساء بمراقبة أنماط نومهنّ، ومستوى التوتّر اليومي، وردود الفعل العاطفية غير المبرّرة، لأنّها مؤشرات نفسية حسّاسة تستدعي انتباهًا مبكرًا.
ترافق الأعراض النفسية عوارض جسدية متكرّرة
لا تقتصر اعراض السكر النفسي على الجانب النفسي فحسب، بل تظهر أيضًا في الجسم بوضوح. تزداد ضربات القلب فجأةً، ويشعر الجسم بارتجاف أو دوار خفيف بعد فترات صيام طويلة أو بعد وجبات دسمة.

كذلك، يعاني كثير من النساء من صداع متكرّر، أو تعب عام رغم النوم الكافي. وأحيانًا، تلاحظ المرأة تعرّقًا مفرطًا أو رعشة في اليدين. ما يشير إلى استجابة جسدية لاضطراب السكر.
تشير أبحاث Mayo Clinic إلى أنّ الدماغ يحتاج إلى مستوى ثابت من الغلوكوز ليعمل بكفاءة. وعندما يختلّ هذا المستوى، تتراجع الوظائف العصبية، ويحدث اضطراب في الذاكرة القصيرة والانتباه.
إضافةً إلى ذلك، تؤدّي التغيّرات المستمرة في سكر الدم إلى زيادة الجوع الشديد أو العطش غير المبرّر. لذلك، يوصي الأطباء النساء بتسجيل أوقات الجوع والتعب في مفكّرة غذائية لتحديد الارتباط بين الطعام والعوارض النفسية والجسدية.
ومع أن هذه الإشارات قد تبدو بسيطة. إلا أنّها تكشف عن خللٍ حيويّ في التوازن الداخلي للجسم يستحق التدخّل الطبي الفوري.
يمكن تقييم الحال وتشخيصها بسهولة
لحسن الحظ، يمكن تشخيص اعراض السكر النفسي عبر خطوات واضحة. تبدأ العملية بمراجعة الطبيب وإجراء تحليل سكر صائم وبعد الأكل، إضافة إلى اختبار HbA1c الذي يقيس معدّل الغلوكوز خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
إلى جانب الفحوصات، يعتمد الطبيب على تقييم نفسي لتحديد العلاقة بين مستوى الغلوكوز والحال المزاجية. يساعد هذا التقييم في التفريق بين الاضطراب النفسي الناتج عن عوامل حياتية، وتلك المرتبطة بمستوى السكر.
كما تؤدّي التغذية دورًا حاسمًا في التقييم. يراجع الطبيب النظام الغذائي اليومي لتحديد الأطعمة التي ترفع السكر بسرعة، مثل الحلويات والمشروبات الغازية.
ولأنّ نمط الحياة يؤثّر مباشرةً على استقرار الغلوكوز، يوصي المختصّون بممارسة النشاط البدني المعتدل كالمشي، والنوم المنتظم، وشرب الماء بانتظام. هذه العوامل تساهم في استقرار الطاقة وتحسين المزاج العام.
من المهم أيضًا إجراء متابعة دورية لأنّ الإهمال يؤدي إلى مضاعفات أكثر خطورة، منها الاكتئاب الحاد، والقلق المزمن، واضطراب الهرمونات الأنثوية.
تساعد الوقاية المبكرة على السيطرة الكاملة
تبدأ الوقاية من اعراض السكر النفسي بالوعي. عندما تدرك المرأة العلاقة بين سلوكها الغذائي وحالها النفسية، تستطيع التحكّم في المزاج والطاقة.

أولًا، يجب تقليل استهلاك السكر الأبيض، والاعتماد على الكربوهيدرات المعقّدة مثل الشوفان والحبوب الكاملة. هذه الأغذية تُطلق الغلوكوز تدريجيًا، ما يمنع التقلّبات الحادة.
ثانيًا، يفيد تناول البروتينات في كل وجبة للحفاظ على استقرار السكر. كما يُنصح بإضافة الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم مثل المكسّرات والبقول، لأنّها تساهم في تهدئة الأعصاب.
ثالثًا، يخفّف النشاط البدني المنتظم من التوتّر النفسي ويزيد من حساسية الأنسولين. حتى المشي لمدة نصف ساعة يوميًا يترك أثرًا واضحًا على المزاج.
رابعًا، يؤدّي الحصول على الراحة والنوم دورًا جوهريًا في استقرار الجهاز العصبي. يوصي الخبراء بالنوم سبع ساعات متواصلة في بيئة هادئة وخالية من الإضاءة.
وأخيرًا، تساعد تقنيات الاسترخاء كالتأمّل والتنفس العميق على تقليل هرمون الكورتيزول، الذي يُعدّ من أكثر العوامل المؤثرة في اضطراب السكر النفسي.
الخلاصة
في الختام، تتطلّب اعراض السكر النفسي عند النساء انتباهًا كبيرًا ومراقبة دقيقة لكل تفصيل في نمط الحياة. إذ تتشابك العوامل النفسية والجسدية والغذائية في توليد هذه الحال. ما يجعل الوعي المبكر أساس الوقاية والعلاج. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن فوائد الماء البارد في خسارة الوزن وشدّ الجسم.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ العناية بالتوازن بين العقل والجسد تمثّل حجر الأساس لصحة المرأة. ليس الهدف فقط تقليل السكريات، بل بناء علاقة وعي مع الذات ومع الإشارات التي يرسلها الجسم. فكلّ تعبٍ، وكلّ اضطراب مزاجي، هو نداء صامت يستحق الإصغاء.
