تُعدّ خياطة الولادة الطبيعية من أكثر مراحل ما بعد الولادة حساسية ودقة، لأنّها تؤثّر بشكل مباشر في راحة الأمّ، وسرعة شفائها، وجودة حياتها بعد الإنجاب. في بعض الحالات، قد تتحوّل خياطة الولادة الطبيعية من خطوة ترميمية بسيطة إلى تجربة مؤلمة إذا أُجريت بطريقة غير صحيحة أو أُهمِلت العناية بها. لذلك، من المهمّ أن تفهم كلّ أمّ ما الذي يحدث أثناء الخياطة، وما هي الأخطاء الشائعة التي قد تُبطئ الشفاء أو تُسبّب مضاعفات. في هذا المقال، نقدّم لكِ شرحًا علميًا مبسّطًا مع أبرز الأخطاء التي يجب تجنّبها لضمان تعافٍ مريح وسريع بعد الولادة.
سنقسّم الأفكار إلى خمسة محاور رئيسية توضّح مراحل الخياطة، ونوع الأخطاء المحتملة، وطرق العناية الصحيحة. مع تقديم نصائح طبية مدعومة بدراسات حديثة من جهات موثوقة. مع العلم أنّنا سبق وعرضنا لكِ أفضل محفزات الولادة الطبيعية التي تنصح بها القابلات.
خياطة الولادة الطبيعية: لمحة طبية ضرورية
تحدث خياطة الولادة الطبيعية عادةً بعد تمزّق بسيط في منطقة العجان أثناء خروج الجنين، أو بعد إجراء شقّ صغير يُسمّى “شق العجان”. الهدف من هذه الخياطة هو إعادة الأنسجة إلى وضعها الطبيعي لتلتئم بطريقة صحيحة. يستخدم الأطباء عادةً خيوطًا قابلة للامتصاص كي لا تحتاج الأمّ إلى إزالتها لاحقًا.

لكن، بحسب دراسات طبية منشورة في PubMed، نوع الخياطة يؤثّر كثيرًا على مستوى الألم والشفاء. فالخياطة المتّصلة غير المُحكمة (Non-locking continuous suture) تُقلّل من الشعور بالألم وتُسرّع الالتئام مقارنة بالخياطة المتقطعة. لذلك، يُنصَح الأطباء باعتماد تقنيات أكثر لطفًا على الأنسجة.
من المهمّ أيضًا أن تُجرى الخياطة بعد التأكّد من نظافة المنطقة ومنع أيّ تلوّث، لأنّ العدوى في هذه المرحلة هي السبب الأول لتأخّر الشفاء. وهنا يظهر دور الطاقم الطبي في الحفاظ على التعقيم الكامل أثناء العمل.
خطأ اختيار الخيط غير المناسب
واحدة من أبرز الأخطاء التي قد تحدث أثناء خياطة الولادة الطبيعية هي اختيار نوع الخيط غير الملائم. ما زالبعض الأطباء يستخدمون خيوطًا غير قابلة للامتصاص أو خيوطًا سميكة تسبب حساسية في الجلد. هذه الأنواع تؤدّي إلى التهابٍ موضعي، وأحيانًا إلى ألمٍ مستمرّ يمتدّ لأسابيع.
تُوصي الدراسات باستخدام خيوط من مادة “بوليغليكوليك أسيد” لأنها تذوب تدريجيًا من دون أن تسبّب حساسية. كما تبيّن أنّ الخيوط الناعمة الدقيقة تقلّل احتمال حدوث تكتّلات أو التهابات.
النقطة الأهم أنّ الطبيب يجب أن يُراعي سماكة الأنسجة عند المرأة. فكلّ جسم مختلف، وكلّ نسيج يحتاج إلى شدّ معيّن للخيوط. الخياطة المشدودة جدًا تُسبّب ألمًا واحتقانًا، أمّا الخياطة المرتخية فتمنع الالتئام الكامل. الاعتدال هو القاعدة الذهبية في هذه المرحلة الحساسة.
خطأ الخياطة غير المتناسقة أو الخاطئة الاتجاه
من الأخطاء التقنية الشائعة أيضًا أثناء خياطة الولادة الطبيعية أن لا تتناسق الغرز أو أن تُوضع بطريقة غير متوازية. هذا الخطأ يجعل الجرح يلتئم بشكل غير منتظم، ما يسبّب انتفاخًا أو تشوّهًا بسيطًا في شكل المنطقة لاحقًا.

تؤكّد الأبحاث الحديثة أنّ اتجاه الغرز مهمّ جدًا في توزيع الضغط على الأنسجة. عندما تُخاط العضلات بزاوية خاطئة، تتأثّر الدورة الدموية الدقيقة، فيتأخر الترميم الطبيعي.
كذلك، إذا لم يُعاد خياطة العضلات الداخلية بشكل متقن، قد تشعر الأمّ بألم عند الجلوس أو أثناء العلاقة الزوجية بعد الولادة. ولهذا السبب، تؤكّد الجمعيات الطبية على ضرورة تدريب الأطباء المقيمين بشكل كافٍ على التقنيات الحديثة في خياطة العجان.
من جهة أخرى، المتابعة بعد الخياطة لا تقلّ أهمية عن الإجراء نفسه. فالفحص بعد يومين أو ثلاثة يسمح للطبيب بالتأكّد من أنّ الجرح يلتئم بالشكل الصحيح من دون علامات التهاب أو فتح جزئي للغرز.
خطأ إهمال العناية المنزلية بعد الخياطة
بعد الولادة، تبدأ مرحلة التعافي الفعلية، وهنا تقع كثير من النساء في أخطاء بسيطة لكنها مؤذية. أهمّها عدم تنظيف المنطقة بانتظام أو استخدام مستحضرات غير مناسبة. العناية اليومية ضرورية جدًا بعد خياطة الولادة الطبيعية لأنّ البيئة الدافئة والرطبة في هذه المنطقة تشكّل بيئة مثالية لنموّ البكتيريا.
ينبغي غسل المنطقة بالماء الفاتر فقط، وتجفيفها بلطف، وتغيير الفوط الصحية باستمرار. كما يُنصَح بتجنّب الجلوس الطويل أو حمل الأوزان الثقيلة في الأسبوعين الأولين.
من المفيد أيضًا استخدام الكمّادات الباردة لتخفيف الانتفاخ والألم. وقد أثبتت دراسة في Journal of Obstetrics and Gynaecology Research أنّ تطبيق كمّادات باردة مرتين يوميًا يقلّل من الإحساس بالألم ويحسّن سرعة الشفاء بنسبة تصل إلى 40%.
وأخيرًا، يجب مراجعة الطبيب إذا ظهرت علامات التهاب مثل الاحمرار الشديد أو نزول الإفرازات ذات الرائحة. وذلك لأنّ العلاج المبكر يمنع حدوث مضاعفات مؤلمة.
خطأ تجاهل الدعم الغذائي والراحة الجسدية
تؤدّي التغذية دورًا محوريًا في شفاء الجرح بعد الولادة. عندما تُهمل المرأة تناول البروتينات والفيتامينات الضرورية مثل فيتامين C والزنك، يتباطأ تجديد الأنسجة. لذلك، يُنصَح بتناول أطعمة غنية بالبيض، والحبوب الكاملة، والخضار الورقية، واللحوم البيضاء.

كما أنّ الحصول على النوم الكافي يساعد على إفراز الهرمونات المسؤولة عن الترميم. قلة النوم ترفع مستوى الكورتيزول في الجسم، ما يُضعف المناعة ويؤخر التئام الجرح.
إضافةً إلى ذلك، يجب تشجيع الأمّ على المشي الخفيف بعد اليوم الثالث من الولادة، لأنّ الحركة المعتدلة تُنشّط الدورة الدموية وتُقلّل الانتفاخ.
نقطة أخرى مهمة هي الحالة النفسية؛ التوتر والقلق قد يزيدان من الإحساس بالألم، بينما الهدوء والاسترخاء يساعدان على التعافي بشكل أسرع. ومن المفيد أن تحصل المرأة على دعمٍ من عائلتها خلال الأسابيع الأولى.
الخلاصة
في النهاية، يتّضح أنّ خياطة الولادة الطبيعية ليست مجرّد إجراء تجميلي أو بسيط، بل هي عملية دقيقة تتطلّب معرفة علمية، واهتمامًا مستمرًّا من الطبيب والأمّ على حدّ سواء. الأخطاء الصغيرة في اختيار الخيط، أو طريقة الخياطة، أو العناية بعد العملية يمكن أن تُحوّل تجربة ما بعد الولادة إلى معاناة غير ضرورية.
الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، والمتابعة الدورية، والالتزام بالنظافة والعادات الصحية، هي مفاتيح الشفاء السريع من دون ألم. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن مدة الولادة الطبيعية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي المرأة بما يجري أثناء خياطة الولادة الطبيعية يُعدّ سلاحها الأقوى لحماية نفسها من الأخطاء الطبية ولضمان تعافٍ آمن ومريح. المعرفة لا تُخفّف الألم فحسب، بل تمنحها سيطرة وطمأنينة خلال واحدة من أهمّ مراحل حياتها.