يُعَدّ نزول كتل دم مع الدورة من أكثر العوارض التي تلاحظها النساء خلال فترة الحيض. يحدث أن تظهر هذه الكتل فجأة، فتثير الشعور بالقلق والارتباك. لكن، هل تُعتبر طبيعية؟ أم أنها مؤشر لمشكلة صحية خفيّة؟. هذا ما سنناقشه بالتفصيل في هذا المقال العلمي، مع التركيز على الأسباب، والحالات العادية، والظروف التي تتطلّب تدخّلًا طبّيًا عاجلًا.
في البداية، نُعرّف ما هي هذه الكتل؟ ثم نوضح الأسباب الممكنة. بعدها ننتقل إلى الحالات التي تستدعي زيارة الطبيب. كما نتناول تأثير العوامل الهرمونية.
ما المقصود بـ”نزول كتل دم مع الدورة”؟
نزول كتل دم مع الدورة يعني ظهور تكتلات دموية أثناء نزول الطمث، تكون غامقة اللون وذات قوام هلامي. يتكوّن الدم في الرحم نتيجة انفصال بطانة الرحم كل شهر. وفي بعض الأحيان، يتجمّع هذا الدم داخليًا قبل أن يُطرد إلى الخارج، ما يسبب تشكّله على شكل كتل.
بحسب الكلية الأميركية لأطباء النساء والتوليد (ACOG)، فإنّ نزول الكتل الصغيرة (بحجم عملة معدنية صغيرة) يُعَدّ غالبًا طبيعيًا. خاصّةً خلال الأيام الأولى من الدورة حيث يكون النزيف غزيرًا. ومع ذلك، فإن الكتل الكبيرة أو المتكررة قد تدل على وجود اضطراب داخلي.
ما الأسباب الشائعة لظهور هذه الكتل؟
السبب الأكثر شيوعًا هو كثرة النزيف. عندما يكون نزيف الدورة سريعًا، لا يستطيع الجسم إنتاج كميات كافية من الإنزيمات المضادة للتجلّط (مثل الفيبرينوليزين). بالتالي، يتجمّد الدم داخل الرحم، ويخرج على شكل كتل.
كذلك، قد يكون اضطراب الهرمونات سببًا رئيسيًا. يؤدي عدم التوازن بين الإستروجين والبروجستيرون إلى زيادة سمك بطانة الرحم، مما يؤدي إلى نزول دم غزير وتكوّن كتل.
أيضًا، من الأسباب:
- الأورام الليفية في الرحم (Uterine fibroids)
- الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis)
- الإجهاض المبكر أحيانًا
- اضطرابات الغدة الدرقية
وفقًا لمراجعة منشورة في مجلة Mayo Clinic Proceedings، فإن النساء اللواتي يعانين من فقر دم أو اضطراب في تجلط الدم يكنّ أكثر عرضة لتكوّن هذه الكتل.
متى يُعتبر نزول الكتل خطرًا؟
عند ملاحظة نزول كتل دم مع الدورة بحجم كبير جدًا (أكبر من 2.5 سم)، أو إذا ترافقت مع عوارض أخرى مثل:
- ألم شديد لا يزول بالمسكنات
- دوخة أو إعياء شديد
- دورات غير منتظمة أو مستمرة أكثر من 7 أيام
- نزف بين الدورات
ففي هذه الحالات، يُنصح بزيارة الطبيب فورًا. قد يدلّ ذلك على وجود أورام، أو مشاكل في التجلّط، أو خلل في الجهاز التناسلي. كما أن النزف المفرط قد يؤدي إلى نقص الحديد وفقر الدم المزمن.
تشير دراسة في مجلة Obstetrics & Gynecology إلى أن الكتل الدموية الكبيرة والمتكررة تُعدّ واحدة من المؤشرات الأساسية التي تدفع الأطباء إلى إجراء فحوصات أكثر تعمقًا، مثل السونار أو تحليل الدم.
هل تؤثر العوامل الخارجية على ظهور الكتل؟
نعم، تؤثر بشكل مباشر. فمثلًا، تُضاعف زيادة الوزن خطر تكوّن كتل دموية بسبب ارتباطها بارتفاع مستويات الإستروجين. كذلك، الضغط النفسي يُربك عمل الهرمونات، مما يؤثر على طبيعة الدورة.
كما أن استخدام بعض وسائل منع الحمل الهرمونية أو التوقف عنها فجأة يُغيّر من نمط النزيف. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض النساء يلاحظن نزول الكتل بعد الولادة أو الإجهاض، وهو أمر شائع في مرحلة عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي.
لا ننسى أن نمط الحياة يؤدّي دورًا أيضًا. قلّة النوم، ونقص الحديد، وسوء التغذية كلها عوامل تزيد من اضطراب الدورة.
كيف يمكن التعامل مع هذه الكتل؟
إذا لم تترافق الكتل مع عوارض خطيرة، يمكن اتباع بعض النصائح:
- مراقبة حجم الكتل وتكرارها
- تنظيم النوم والابتعاد عن التوتر
- تناول أطعمة غنية بالحديد، مثل السبانخ والعدس
- مراجعة الطبيب النسائي في حال استمرت المشكلة
أما في حال كانت الكتل مزعجة ومتكررة، فقد يُجري الطبيب فحوصات لتقييم الوضع، منها:
- سونار عبر المهبل
- تحليل الهرمونات
- فحص مخزون الحديد والهيموغلوبين
- تنظير الرحم أحيانًا
يساعد إجراء هذه الفحوصات على تحديد السبب بدقة ووضع خطة علاج مناسبة، سواء بالأدوية، أو بتعديلات غذائية، أو بتدخل جراحي في حالات نادرة.
الخلاصة
أخيرًا، إنّ نزول كتل دم مع الدورة ليس دائمًا علامة خطر، لكنه لا يجب تجاهله. فالتقييم الطبي المبكر يُجنّب الكثير من التعقيدات، خصوصًا إذا ترافقت الكتل مع عوارض غير معتادة. يُساعد الفهم الصحيح لهذه الظاهرة كل امرأة على طمأنة نفسها أولًا، واتخاذ القرار الطبي المناسب ثانيًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف يكون لون دم الدورة الشهرية دليل الهرمونات.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الوعي بجسد المرأة وتقلّباته الطبيعية هو أساس الصحة النفسية والبدنية. لا يجب الخوف من “نزول كتل دم مع الدورة”، لكن أيضًا لا يجب تجاهله إذا خرج عن المألوف. المرأة الذكية هي التي تراقب التغيير، تسأل، وتعتني بصحتها قبل أن تزداد المشكلة. وكلما ازدادت معرفتها العلمية بجسدها، كلما أصبحت أقوى وأكثر قدرة على حماية نفسها من الداخل.
