متى ينقلب الطفل؟ سؤال تتكرّر إجابته مع تغيّر مراحل الحمل، إذ تعبّر حركة الجنين داخل الرحم عن استعداده للحياة خارج بطن أمّه. في الأشهر الأخيرة، يبدأ الجنين باتّخاذ الوضعية النهائية التي تسبق الولادة، وهي وضعية الرأس إلى الأسفل. هذه المرحلة الدقيقة تمثّل علامة حاسمة في اكتمال النموّ، وتدلّ على أنّ الجسم بدأ يتهيّأ لعملية الولادة الطبيعية.
في هذا المقال، سنتعرّف معًا إلى العلامات الخفيّة التي تسبق انقلاب الجنين، وسنناقش بالتفصيل التوقيت العلمي لهذه الخطوة، والعوامل التي تساعد على حدوثها. إضافةً إلى إشارات الجسم التي تخبرك أنّ الولادة باتت قريبة. كما سنستعرض في النهاية خلاصة حول كيفية التعامل الذكي مع هذه المرحلة الحسّاسة في الحمل.
متى ينقلب الطفل في الرحم؟
تحدث مرحلة انقلاب الجنين عادةً بين الأسبوعين الثلاثين والأربع والثلاثين من الحمل، أي في منتصف الشهر الثامن تقريبًا. خلال هذه الفترة، يصبح حجم الجنين كافيًا لملء معظم مساحة الرحم، ما يدفعه إلى البحث عن الوضعية الأكثر راحة واستقرارًا. عندها، يتحرّك تدريجيًّا حتى يصبح رأسه إلى الأسفل، ووجهه موجّهًا نحو ظهر الأم.
ويؤكّد موقع Mayo Clinic أنّ أكثر من ٩٦٪ من الأجنّة ينقلبون تلقائيًّا قبل الولادة، بفضل تطوّر الجهاز العصبي والعضلي الذي يتيح للجنين التحكّم في حركاته بشكل أفضل. ومع ذلك، قد يتأخّر بعض الأجنّة في الانقلاب، خصوصًا في حالات الحمل بتوأم أو زيادة السائل الأمنيوسي أو وجود مشيمة أمامية.
من المهم أن تعرف الأم أنّ متى ينقلب الطفل يختلف قليلًا بين امرأة وأخرى، إذ تعتمد العمليّة على مرونة جدار الرحم وشكل الحوض وحجم الجنين في الرحم. لذلك، لا داعي للقلق إن لم يحدث الانقلاب في الوقت المعتاد، طالما أنّ الطبيب يتابع نموّ الجنين ووضعه بالسونار بشكل دوري.
الإشارات الخفيّة لانقلاب الطفل
تظهر على الأم مجموعة من الإشارات الجسدية التي تدلّ على أنّ الجنين بدأ بالانقلاب. غالبًا ما تكون هذه العلامات بسيطة وغير مزعجة، لكنّها دقيقة وواضحة عند الانتباه إليها.
من أبرز هذه الإشارات:
- انخفاض البطن قليلًا إلى الأسفل، ما يشير إلى أنّ الرأس بدأ بالاستقرار في منطقة الحوض.
- تغيّر موقع الركلات، إذ تصبح الحركات محسوسة أكثر في الجزء العلوي من البطن بدلًا من السفلي.
- سهولة التنفّس بعد أن كان الضغط على الحجاب الحاجز مزعجًا.
- تزايد الحاجة إلى التبوّل بسبب ضغط رأس الجنين على المثانة.
- آلام خفيفة في الحوض وأسفل الظهر نتيجة تهيّؤ الأربطة لتغيّر الوضعية.
وتذكر دراسات منشورة في Cleveland Clinic أنّ هذه العلامات لا تظهر فجأة، بل تتطوّر خلال أسبوع أو أكثر، ما يمنح الأم وقتًا كافيًا للتأقلم جسديًّا ونفسيًّا. من هنا، يُنصح بتدوين ملاحظات يوميّة عن حركة الجنين ومكان الشعور بها، لأنّها تساعد الطبيب في تحديد موعد الولادة المحتمل بدقّة أكبر.
العوامل التي تساعد على انقلاب الطفل
يستطيع جسم الأم أن يهيّئ الظروف المثاليّة لانقلاب الجنين من خلال بعض العوامل الطبيعيّة التي تزيد من مرونة الرحم وتسهّل حركته.
من أهمّ هذه العوامل:
- النشاط البدني المنتظم مثل المشي اليومي الخفيف. فهو يحفّز حركة الحوض ويزيد من تدفّق الدم في الرحم.
- الجلوس بوضعيات صحيحة، كالميل الخفيف إلى الأمام أثناء الجلوس بدلًا من الاتّكاء الطويل على الظهر.
- السباحة المعتدلة، إذ تتيح للجسم الراحة وتخفّف الضغط عن العمود الفقري وتساعد على استرخاء عضلات البطن.
- ممارسة تمارين اليوغا الخاصّة بالحمل التي تُركّز على توازن الجسم وتوسيع الحوض.
تؤكّد أبحاث WebMD أنّ هذه العوامل تسهم في تهيئة بيئة رحمية مريحة، ما يدعم الانقلاب التلقائي بنسبة تتجاوز ٨٠٪ في الحالات الطبيعية. مع ذلك، يجب تجنّب الحركات المفاجئة أو التمارين الشاقّة، لأنّها قد تؤدّي إلى شدّ عضلي أو تقلّصات مؤلمة.
علامات تدلّ على قرب الولادة بعد انقلاب الطفل
بعد أن ينقلب الجنين وتستقرّ وضعية الرأس في الأسفل، تبدأ سلسلة من العلامات الفسيولوجية التي تنذر باقتراب موعد الولادة. هذه العلامات لا تظهر جميعها في وقت واحد، بل تتدرّج تدريجيًّا.
من هذه العلامات:
- توسّع عنق الرحم نتيجة ضغط رأس الجنين المتكرّر.
- نزول الإفرازات المهبلية الكثيفة التي تُعرف بـ«السدادة المخاطية»، وهي دلالة على استعداد الرحم.
- زيادة تقلّصات براكستون هيكس، وهي انقباضات تحضيرية غير مؤلمة في معظم الأحيان.
- تغيّر شكل البطن واتّساع الحوض تدريجيًّا.
- انخفاض الوزن قليلًا بسبب تقليل احتباس السوائل قبل الولادة.
بحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، هذه المؤشّرات الطبيعية لا تتطلّب تدخّلًا طبيًّا ما لم تصاحبها آلام حادّة أو نزيف غير طبيعي. لكنّ مراقبتها بدقّة تساعد الطبيب في تحديد اللحظة المثالية للانتقال إلى المستشفى استعدادًا للولادة.
متى يجب القلق أو استشارة الطبيب؟
رغم أنّ انقلاب الجنين خطوة طبيعيّة، إلا أنّ هناك حالات تستدعي استشارة الطبيب فورًا. ومن أبرزها:
- مرور الأسبوع السابع والثلاثين من دون انقلاب الطفل.
- الشعور بحركات مؤلمة أو انقباضات شديدة في غير وقتها.
- قلّة حركة الجنين لأكثر من ١٢ ساعة.
- ملاحظة نزيف خفيف أو إفرازات ملوّنة بالدم.
- تشخيص المشيمة المنزاحة أو ضيق الحوض.
في هذه الحالات، قد يقترح الطبيب إجراء ما يُعرف بـ«الانقلاب الخارجي»، وهو تدخّل طبي يتمّ تحت المراقبة الدقيقة في المستشفى لتحفيز الجنين على تغيير وضعيته. تؤكّد دراسات NIH أنّ هذه الطريقة تنجح في نحو ٥٨ إلى ٦٠٪ من الحالات عندما تُنفّذ في الأسبوع السابع والثلاثين، شرط أن تكون المشيمة طبيعية والسائل الأمنيوسي كافيًا.
الخلاصة
إنّ معرفة متى ينقلب الطفل تساعد الأم على الاستعداد النفسي والجسدي للولادة. فالانقلاب يشكّل مرحلة دقيقة تؤشّر إلى نضوج الجنين واقتراب موعد اللقاء المنتظر. متابعة العلامات الخفيّة، والانتباه إلى حركات الجنين، والحفاظ على النشاط المعتدل، جميعها عوامل تضمن ولادة آمنة ومطمئنة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كل ما يجب أن تعرفيه عن حبوب تثبيت الحمل وتأثيرها على صحة الجنين!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، إنّ الوعي بتفاصيل هذه المرحلة لا يُطمئن الأم فحسب، بل يربطها أكثر بجسدها وبجنينها. فكلّ حركة وكلّ إشارة هي لغة حياة ينطق بها الطفل قبل أن يولد. أنصح كلّ أم بأن تصغي لجسدها وتوثّق لحظاته بطمأنينة، لأنّ الفهم المسبق لما يحدث داخل الرحم هو مفتاح الولادة الهادئة والمفعمة بالأمل.
