تتزايد في السنوات الأخيرة ظاهرة دفع الأطفال نحو التخصّص في رياضة واحدة منذ سنّ مبكرة، مع برامج تدريب مكثفة تمتدّ على مدار العام، في سعيٍ دائم نحو التفوّق والمنافسة. يبدو هذا النهج مغريًا للكثير من الأهالي الطموحين. إذ يربطون بين التخصّص المبكر والنجاح الرياضي المستقبلي.
لكنّ الحقيقة العلمية مختلفة تمامًا. تظهر دراسات حديثة أنّ مشاركة الأطفال في أنشطة رياضية متعددة لا تُعزّز فقط لياقتهم البدنية. بل تساهم أيضًا في نموهم الشخصي والنفسي، وتقلّل خطر الإصابات والاحتراق الذهني. لذلك، يوصي الخبراء بتنوّع التجارب الحركية في الطفولة لضمان بناء قاعدة متينة للتميّز المستقبلي.
التخصّص المبكر: طريق محفوف بالمخاطر
يبدو التخصّص المبكر خيارًا مثاليًا في بعض الرياضات التي تتطلّب مهارات دقيقة وذروة أداء مبكرة، مثل الجمباز والتزلّج الفني. ومع ذلك، تُظهر الأبحاث أنّ الاعتماد على رياضة واحدة في سنّ صغيرة يزيد من احتمال الإصابة بسبب الاستخدام المتكرّر لنفس العضلات والمفاصل. كما أن الضغط النفسي الناتج عن التدريب المكثّف قد يؤدي إلى فقدان الحافز أو حتى كره الطفل للنشاط الرياضي.

تشير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) إلى أنّ الأطفال الذين يمارسون رياضة واحدة أكثر من 8 أشهر سنويًا هم الأكثر عرضة للإصابات الناتجة عن الإفراط في الاستخدام. مثل التهاب الأوتار أو إجهاد العظام.
تعدد الرياضات يبني أساسًا متينًا للنجاح
يمكّن تنويع الأنشطة الرياضية الأطفال من تطوير مجموعة أوسع من المهارات الحركية، مثل التوازن، والتنسيق، والسرعة. فعندما يمارس الطفل كرة القدم في الصيف والسباحة في الشتاء مثلًا، يتعلم كيف يستخدم أجزاء مختلفة من جسمه في أنماط حركية متنوعة. مما يحفّز تطوّر الجهاز العصبي والعضلي معًا.
كما تُظهر دراسة نُشرت في Journal of Sports Sciences أنّ الأطفال الذين مارسوا أكثر من رياضة قبل سنّ 12 عامًا حقّقوا أداءً أفضل في المنافسات المستقبلية. وذلك لأنهم اكتسبوا مهارات قابلة للنقل بين الأنشطة. مما ساعدهم على التكيّف بسرعة مع متطلبات رياضتهم النهائية.
التنوّع يحمي من الإرهاق النفسي
يميل الأطفال الذين ينخرطون في تدريب مكثف ومنافسات مستمرة إلى الشعور بالضغط والتعب النفسي. مما قد يضعف ارتباطهم الإيجابي بالرياضة. أما التنوّع الرياضي، فيُعيد إلى النشاط متعته الطبيعية ويُشجع على روح الاكتشاف والتعاون بدلًا من المنافسة الدائمة.
تؤكّد الأبحاث أنّ الأطفال الذين يختبرون أنشطة متنوعة يتمتعون بقدرة أكبر على الصمود أمام التحديات. وذلك لأنهم يرون الرياضة كوسيلة للمتعة والنمو، لا كعبء أو التزام. وهذا التوازن النفسي يُعدّ من أهم عوامل الاستمرارية في المجال الرياضي.
من ٦ إلى ١٨ عامًا: مراحل يجب احترامها
توصي مراجع تدريبية عالمية مثل سلسلة الفيديوهات “Integral Physical Conditioning for Young Athletes” وكتاب “Formula for Success in Sports” بتقسيم مسار التدريب إلى مراحل عمرية محددة.
- ففي مرحلة الطفولة المبكرة (٦–٩ سنوات): يجب التركيز على الألعاب الحرة وتطوير التنسيق العام.
- بينما في المرحلة المتوسطة (١٠–١٣ سنة): يمكن إدخال برامج تدريبية بسيطة ومتوازنة.
- أمّا في سنّ المراهقة (١٤–١٨ سنة): فيُصبح من المناسب التخصّص التدريجي في رياضة معينة. وذلك بعد اكتساب الطفل قاعدة بدنية متكاملة.
إنّ بناء طفل رياضي ناجح لا يبدأ بالتخصّص المبكر، بل بالتنوّع الذكي. فالطفل الذي يختبر أنشطة مختلفة يتعلّم كيف يتحكّم بجسده، ويتفاعل مع بيئات متعددة. كما يُكوّن شخصية مرنة قادرة على التكيّف والمنافسة بثقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفيّة تطوير مهارات طفلك حسب مرحلته العمرية.