زوجي ما يسمعني.. عبارة تتكرر كثيرًا في جلسات النساء، وتخرج غالبًا من قلب مثقل بالمشاعر المكبوتة. تحاول المرأة أن تتكلم، وتُفهم، وتعبّر بصدق وهدوء. لكنها لا تجد سوى نظرات مشتّتة أو صمت مريب أو ردود قصيرة تقتل الحوار. لا تكون الصدمة فقط في عدم التفاعل، بل في الإحساس بالوحدة داخل العلاقة، وفي شعور المرأة بأنها غير مرئية أو غير مسموعة. وهذا ما يُعرَف بالفراغ العاطفي بين الزوجين.
في هذا المقال، نشرح لكِ أسباب هذا السلوك من منظور علمي ونفسي، ونُقدّم لكِ حلولًا عملية ومهارات تواصل فعّالة. نهدف إلى تمكينكِ من إيصال مشاعرك بطريقة هادئة بدون خلاف أو تصعيد.
افهمي طبيعة دماغ الرجل
لفهم سبب عدم الإصغاء، يجب أولًا فهم آلية عمل الدماغ الذكوري.

يعمل دماغ الرجل بطريقة مختلفة عن دماغ المرأة. أظهرت دراسات التصوير العصبي (fMRI) أن مراكز اللغة والنطق تنشط في الدماغ الأنثوي أكثر من الذكوري، وهذا ما يفسر قدرة النساء العالية على التعبير والتواصل العاطفي. أما الرجال، فيميلون إلى التركيز على المهام لا على المشاعر، ويشغّلون المناطق المسؤولة عن الحلول لا عن الإنصات.
عندما تقولين “زوجي ما يسمعني”، قد يكون السبب ببساطة أنه لا يدرك أنكِ بحاجة إلى تعاطف لا إلى نصيحة. لذا، يُغلق الحوار من جهته بسرعة لأنه لا يرى فيه “مشكلة قابلة للحل”، بل حديثًا عاطفيًا لا ضرورة له.
توقّعي التوقيت المناسب
إنّ اختيار التوقيت قد يصنع فرقًا كبيرًا بين التواصل والتصادم.
لا تتحدثي معه أثناء مشاهدته لمباراة أو بعد عودته من العمل مباشرة. في تلك اللحظات، يعمل دماغه في وضع “الإغلاق”، ويركّز على الاسترخاء أو المهام اليومية. بحسب دراسة في Journal of Neuroscience, يحتاج الرجل إلى وقت أطول للخروج من حالة التركيز قبل أن يصبح مستعدًا للانخراط في حوار عاطفي.
اختاري وقتًا يشعر فيه بالهدوء والاستعداد، وافتحي الحديث بكلمات بسيطة مثل: “أحتاج منك 10 دقائق فقط لأفرغ ما في قلبي”. بهذه الطريقة، تمنحينه إشعارًا مسبقًا وتحفظين له حدوده النفسية.
غيّري أسلوب التعبير
تؤثّر الطريقة التي تُقال بها الكلمات أكثر من مضمونها.

بدلًا من قول: “أنت لا تفهمني”، قولي: “أنا بحاجة أن تسمعني لأرتاح”. ابتعدي عن التعميم واللوم، وركّزي على مشاعرك لا على سلوكه. هذا ما يُعرف بـ”لغة المشاعر” والتي أثبتت فعاليتها في تقليل النزاعات الزوجية وفقًا لأبحاث The Gottman Institute.
عندما يشعر الرجل أن الكلام ليس هجومًا عليه، يفتح أذنه وقلبه. فالرجل لا يهرب من الكلام، بل يهرب من النقد والاتهام.
خفّفي من شحنة المشاعر
الانفعالات القوية تعيق التواصل وتدفع الرجل للانسحاب.
إذا بدأتِ بالكلام بصوت مرتفع أو بعيون باكية، فإن دماغ زوجك سيفهم أن هناك خطرًا قادمًا، فيدافع عن نفسه بالصمت أو التجاهل. تشير عالمة النفس Deborah Tannen إلى أن الرجال لا يتقنون التعامل مع الانفعالات الشديدة، لذا يتجنبون المواقف العاطفية التي قد تخرج عن السيطرة.
تدرّبي على تهدئة مشاعرك قبل الحوار. تنفّسي بعمق، وحضّري أفكارك، وتحدثي بهدوء. بهذه الطريقة، توصلين مشاعرك من دون أن تثيري دفاعاته.
استخدمي لغة الجسد
الكلمات لا تكفي أحيانًا لإيصال الرسالة، فالجسد يتكلم أيضًا.
انظري في عينيه، اجلسي بقربه، وضعي يدك على كتفه. لغة الجسد الدافئة تنقل رسائل غير منطوقة تُعبّر عن الحب والاحترام. تؤكد دراسات في Psychological Science أن 55% من عملية التواصل تعتمد على الإشارات غير اللفظية، مثل نبرة الصوت وتعابير الوجه.
اجعلي عينيك صادقتين، وابتسامتك خفيفة، فهذا يفتح قلبه قبل أذنه. وعندما يشعر بالقبول، ينفتح تلقائيًا على الحوار. الأمر الذي يُساهم في تعزيز التواصل بين الزوجين.
تجنّبي إعادة الشكوى
يؤدّي التكرار من دون تغيير إلى الإحباط من الطرفين.

حين تكررين الشكوى نفسها كل مرة بنفس الأسلوب، سيتوقف زوجك عن الاستماع تدريجيًا. يشعر أن الحديث لا يحمل جديدًا، فيفقد الاهتمام. لذلك، نوّعي أسلوب الطرح، أو غيّري زاوية الحديث. استخدمي قصصًا أو أمثلة أو حتى نكتة خفيفة لكسر الجليد.
وتذكّري: الحديث مرة واحدة بعمق وصدق أفضل من عشر مرات بنفس الطريقة الفاشلة.
استعيني بجلسات الحوار الزوجي
أحيانًا، لا يكفي الجهد الفردي، بل يحتاج الأمر إلى تدخل خارجي.
إذا بقي الشعور بأن “زوجي ما يسمعني” مستمرًا رغم محاولاتك، فقد تحتاجين إلى استشارة مختصّ علاقات زوجية. يعمل المعالج الزوجي كوسيط محترف يساعدكما على فهم بعضكما من دون توتر. تؤكّد دراسات عديدة أن الخضوع لجلسات الحوار الموجّه تساعد على تحسين الإصغاء بنسبة تصل إلى 70% في العلاقات المتوترة.
لا تخجلي من طلب المساعدة. الحفاظ على الزواج يحتاج إلى شجاعة ومرونة وانفتاح على أدوات جديدة.
حين تقولين “زوجي ما يسمعني”، فأنتِ تعبّرين عن رغبة عميقة في أن تُحبي، أن تُفهمي، أن تُشاهدي كما أنتِ. الإصغاء ليس رفاهية في العلاقة، بل هو شرط أساسي لدوامها. ولكن المهم أن تتذكري أن الرجال لا يولدون بمهارات الإصغاء، بل يحتاجون إلى التعلّم، والمرأة الحكيمة هي التي تعلّم برقة، لا بصراخ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ عن كلمات عن التجاهل وعدم الاهتمام ستجعلك تعيدين التفكير في علاقاتك.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن جملة “زوجي ما يسمعني” ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لمسار جديد من الفهم والنمو. لا تصبّي تركيزك على المشكلة فقط، بل على كيفية تطوير ذاتك في طريقة التعبير. يحتاج الرجل إلى لغة حب مختلفة، فإذا تعلّمتِ كيف توصلين مشاعرك بلغة يفهمها، ستُبنين علاقة أقوى وأكثر عمقًا. استثمري في الحوار، لا في الخلاف، وستجدين أن قلبه بدأ يُصغي حتى من دون أن تتكلمي.