يُثير جهاز فحص الحمل فضول النساء منذ ظهوره، إذ يُعَدّ من أكثر الوسائل استخدامًا لتأكيد الحمل في المنزل بسهولة وسرعة. فالكثير من النساء يستخدمن هذا الجهاز مباشرة بعد تأخّر الدورة أو حتى من أول يوم يُحتمل فيه حدوث الحمل. لكن، هل يمكن فعلًا الوثوق بنتيجته منذ اليوم الأول؟ وهل يعتمد العلم هذه الفكرة؟
في هذا المقال، سنشرح بالتفصيل كيف يعمل جهاز فحص الحمل من الناحية البيولوجية، ومتى يُصبح قادرًا على الكشف الدقيق، وما العوامل التي تؤثر في النتيجة. وسنتناول أيضًا الأخطاء الشائعة في استخدامه، مع تقديم نصائح علمية مدعومة بدراسات طبية منشورة في مواقع موثوقة. مع العلم أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تحاليل الهرمونات للحمل.
مبدأ عمل جهاز فحص الحمل
في البداية، يعمل جهاز فحص الحمل على رصد هرمون يُعرف باسم موجّهة الغدد التناسلية المشيمائية البشرية (hCG). هذا الهرمون يبدأ جسم المرأة بإفرازه بعد انغراس البويضة المخصّبة في جدار الرحم. وتحدث هذه العملية عادةً بعد حوالي 6 إلى 10 أيام من الإباضة.

عند دخول هذا الهرمون إلى الدم، يُطرح جزء منه في البول. وهنا يأتي دور الجهاز المنزلي، الذي يحتوي شريط صغير يضمّ أجسامًا مضادّة تتفاعل مع هذا الهرمون. عندما يلتقي البول المحتوي على hCG بالشريط، تحدث تفاعلات كيميائية تُظهر خطًّا أو إشارة تدلّ على وجود الحمل.
ويُذكر أنّ حساسية الأجهزة تختلف. فبعضها يكتشف كميات صغيرة جدًا من الهرمون (ابتداءً من 10 ميلي وحدة/مل). فيما يحتاج بعضها الآخر إلى تركيز أعلى يصل إلى 25 أو 50 ميلي وحدة. وكلّما كانت الحساسية أعلى، أمكن الكشف في وقت أبكر.
تشير الأبحاث الطبية المنشورة في National Center for Biotechnology Information (NCBI) إلى أنّ دقّة هذه الأجهزة تتجاوز 99% عند استخدامها بعد موعد الدورة بيومين على الأقل. لكن في حال استخدامه مبكرًا جدًا، فقد يُعطي نتيجة سلبية كاذبة بسبب انخفاض مستوى هرمون الحمل في البول.
هل يمكن لجهاز فحص الحمل كشف الحمل من اليوم الأول؟
تسعى الكثير من النساء لمعرفة الإجابة على هذا السؤال الحيوي. والجواب العلمي الدقيق هو: نادرًا ما ينجح الجهاز في كشف الحمل في اليوم الأول فعليًّا.
فحسب دراسة أجرتها جامعة Stanford Medicine عام 2021، يبدأ تركيز هرمون hCG بالارتفاع فقط بعد انغراس البويضة، أي بعد مرور 8 إلى 12 يومًا على الإخصاب. لذلك، في اليوم الأول من غياب الدورة، قد لا تكون كمية الهرمون كافية لتفعيل الشريط.
ومع ذلك، فإن بعض الأجهزة الحديثة ذات الحساسية العالية قد تكشف الحمل قبل يومين من الدورة المتوقعة، لكن بنسب نجاح متوسّطة (قرابة 70%). وتوصي الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG) بإجراء الاختبار بعد مرور 3 أيام على الأقل من تأخّر الدورة لضمان النتيجة.
إضافةً إلى ذلك، يعتمد الأمر أيضًا على وقت الإباضة الفعلي، الذي قد يتقدّم أو يتأخّر عدّة أيام. ممّا يجعل نتائج اليوم الأول غير مضمونة علميًا.
العوامل التي تؤثر على دقّة جهاز فحص الحمل
توجد عوامل عدّة يمكن أن تغيّر نتيجة جهاز فحص الحمل وتجعلها غير دقيقة. من أبرزها:

- توقيت الاختبار: الفحص في وقت مبكر جدًا قد يعطي نتيجة سلبية كاذبة بسبب ضعف تركيز الهرمون.
- تخفيف البول: شرب كميات كبيرة من الماء قبل الاختبار يقلّل من تركيز hCG ويضعف دقّة النتيجة.
- الأدوية الهرمونية: بعض الأدوية، مثل أدوية الخصوبة التي تحتوي على hCG، قد تعطي نتيجة إيجابية كاذبة.
- طريقة الاستخدام: عدم اتباع التعليمات بدقّة، أو غمر الشريط أكثر من اللازم، قد يفسد التفاعل الكيميائي.
- الأمراض النادرة: بعض الأورام المبيضية أو المشيمائية تفرز هرمون hCG حتى في غياب الحمل الحقيقي.
لذلك، من المهم جدًا إجراء الفحص صباحًا باستخدام أول بول في اليوم، حيث يكون تركيز الهرمون أعلى. كما يُستحسن إعادة الاختبار بعد 48 ساعة للتأكد من النتيجة، إذ يتضاعف مستوى hCG كل يومين تقريبًا في حال وجود حمل فعلي.
الأخطاء الشائعة عند استخدام جهاز فحص الحمل
كثير من النساء يقعن في أخطاء بسيطة، لكنّها تُفسد دقّة النتيجة. من أهمّ هذه الأخطاء:
- إجراء الفحص مبكرًا جدًا قبل موعد الدورة.
- قراءة النتيجة بعد وقت طويل من المدة المحدّدة، ما قد يُظهر خطًا باهتًا خاطئًا.
- تجاهل تعليمات الجهاز المرفقة، أو استخدام بول غير مركّز.
- عدم إعادة الاختبار للتأكّد من النتيجة في حال الشكّ أو ظهور خط باهت.
- الاعتماد على جهاز منتهي الصلاحية أو محفوظ بطريقة غير صحيحة.
وتؤكد دراسة نُشرت في Journal of Clinical Chemistry عام 2020 أنّ 18% من النساء اللواتي أجرين فحصًا منزليًا مبكرًا حصلن على نتائج مضلّلة. لكن بعد تكرار الفحص بعد يومين ظهرت النتيجة الصحيحة في أغلب الحالات.
إذًا، الالتزام بالتعليمات، والتوقيت الصحيح، وإعادة الفحص عند الحاجة، هي مفاتيح الدقة العالية.
متى يُستحسن اللجوء إلى فحص الدم بدلًا من الفحص المنزلي؟
رغم أنّ جهاز فحص الحمل فعّال وسهل، إلّا أنّ فحص الدم يبقى الأدقّ علميًا. فهو لا يكتشف فقط وجود الهرمون بل يقيس تركيزه بدقّة. ممّا يسمح للأطباء بتقدير عمر الحمل المبكّر ومتابعة نموّه.

يُفضَّل اللجوء إلى تحليل الدم في الحالات التالية:
- إذا كانت النتيجة المنزلية غير واضحة أو متناقضة.
- إذا كان هناك تاريخ سابق لإجهاض أو حمل خارج الرحم.
- إذا ظهرت عوارض الحمل بينما النتيجة المنزلية سلبية.
- إذا وُجدت حاجة لتأكيد مبكر جدًا قبل تأخر الدورة.
فحص الدم يستطيع الكشف عن الحمل بعد 7 أيام فقط من الإخصاب، وهو أكثر حساسية من أي جهاز منزلي، بحسب دراسات Mayo Clinic وHarvard Health. إذ يكشف أقل من 5 ميلي وحدة من hCG في المليلتر الواحد.
الخلاصة
يُعَدّ جهاز فحص الحمل وسيلة مريحة وسريعة لمعرفة احتمال الحمل، لكنه ليس معصومًا عن الخطأ. فالعامل الزمني، وطريقة الاستخدام، ونوع الجهاز، جميعها تؤثر في النتيجة. وللحصول على أفضل دقّة، يُستحسن الانتظار يومين إلى ثلاثة بعد تأخر الدورة، مع استخدام البول الصباحي، واتباع التعليمات بدقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ جدول زيادة الوزن للحامل حسب الشهر.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ هذا الجهاز أداة رائعة تمنح المرأة استقلالية وفهمًا لجسدها، لكنه لا يُغني أبدًا عن الاستشارة الطبية. فالنتائج السلبية الكاذبة قد تُربك المرأة نفسيًا، والإيجابية الخاطئة قد تُعطي أملًا وهميًا. لذا، أؤمن أنّ جهاز فحص الحمل خطوة أولى فقط، لا خاتمة القصة. والفحص المخبري يبقى الضمان الأكيد لصحة الأم والجنين.