لا يُعَدّ تعبك الشهري مجرد إحساس عابر يمكن تجاهله، بل قد يكون علامة على وجود مشكلة صحية تحتاج إلى تشخيص وعلاج. نعم، من الطبيعي أن تشعري ببعض الإرهاق والألم خلال الدورة الشهرية. لكن إذا أصبح شعور التعب شديدًا أو استمر لمدد طويلة، فقد يشير ذلك إلى اضطراب هرموني أو نقص غذائي أو حال طبية أخرى. يمسّ هذا الموضوع صحة المرأة بشكل مباشر ويستحق التوقف عنده بجدية.
في هذا المقال، سنشرح لكِ بشكل علمي ومبسط متى يكون التعب طبيعيًا ومتى يستدعي القلق، وسنتناول أسبابه المحتملة، وأهم العوارض التي تستوجب مراجعة الطبيب. بالإضافة إلى الفحوصات الضرورية وخيارات العلاج المتاحة. الهدف هو أن تكوني على وعي بجسدك وتعرفي كيف تحمين صحتكِ في الوقت المناسب.
متى يكون التعب خلال الدورة طبيعيًا؟
خلال الدورة الشهرية، تنخفض مستويات هرمون الإستروجين والبروجسترون، ما يؤثر على الطاقة والمزاج. هذا الانخفاض قد يسبب إرهاقًا طفيفًا أو رغبة في النوم أكثر من المعتاد.

تشير دراسات من American College of Obstetricians and Gynecologists إلى أن الشعور بالتعب الطبيعي لا يمنع المرأة من أداء أنشطتها اليومية، ويزول عادة مع نهاية الأيام الأولى من الدورة. لذلك، إذا كان الإرهاق محدودًا ويخف تدريجيًا، غالبًا لا يوجد سبب للشعور بالقلق.
لكن، عند ملاحظة أنّ تعبك الشهري يمنعك من أداء مهامك أو يترافق مع عوارض أخرى شديدة، يجب الانتباه.
الأسباب المحتملة للتعب غير الطبيعي
في حال كان التعب شديدًا أو مستمرًا، فقد تكون هناك أسباب صحية كامنة.
أولًا، فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، وهو شائع لدى النساء اللواتي يعانين من نزيف غزير خلال الدورة. نقص الحديد يقلل من قدرة الدم على نقل الأكسجين، ما يؤدي إلى الشعور المستمر بالإرهاق.
ثانيًا، اضطرابات الغدة الدرقية، إذ تؤثر بشكل مباشر على الأيض والطاقة. يسبب قصور الغدة خمولًا، وزيادة وزن، وبرودة في الأطراف.
ثالثًا، متلازمة التعب المزمن أو مشاكل الهرمونات الأخرى مثل تكيس المبايض، التي قد تتداخل عوارضها مع عوارض الدورة الشهرية وتزيد الإحساس بالتعب.
تؤكّد هذه الأسباب أن تعبك الشهري قد يكون انعكاسًا لخلل أكبر، وليس مجرد عرض مؤقت.
علامات تستدعي مراجعة الطبيب فورًا
هناك عوارض إذا صاحبت الإرهاق الشهري تستوجب استشارة الطبيب من دون تأخير.

من أبرزها:
- نزيف حاد أو غير منتظم يستمر أكثر من سبعة أيام.
- دوار شديد أو إغماء متكرر.
- ضيق في التنفس عند بذل مجهود بسيط.
- آلام حوضية مفرطة لا تستجيب للمسكنات العادية.
- فقدان وزن غير مبرر أو زيادة سريعة.
قد يشير وجود هذه العلامات مع تعبك الشهري إلى أمراض مثل الأورام الليفية، وبطانة الرحم المهاجرة، أو أمراض دم تتطلب تدخلًا عاجلًا.
الفحوصات الطبية الضرورية
عند مراجعة الطبيب، سيبدأ غالبًا بفحوصات دم لقياس مستوى الهيموغلوبين، والحديد، وفيتامين B12. إضافةً إلى اختبارات الغدة الدرقية.
قد يطلب أيضًا فحص هرموني شامل لمعرفة إذا كان هناك اضطراب في نسب الإستروجين أو البروجسترون. وفي بعض الحالات، يتم إجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية للحوض للكشف عن أي أورام أو أكياس.
يساعد إجراء هذه الفحوصات في تحديد السبب بدقة، وبالتالي وضع خطة علاج مناسبة للتقليل من تعبك الشهري وتحسين جودة حياتك.
طرق التعامل والعلاج
بعد التشخيص، يختار الطبيب العلاج بناءً على السبب.

في حال فقر الدم، يُوصى بمكملات الحديد وتعديل النظام الغذائي لزيادة الأطعمة الغنية به مثل اللحوم الحمراء، والعدس، والسبانخ.
أما في حالات اضطراب الغدة الدرقية، فقد تحتاجين إلى علاج هرموني منظم. وإذا كان السبب هو نزيف شديد نتيجة أورام أو بطانة مهاجرة، قد يتم اللجوء إلى العلاجات الدوائية أو الجراحية.
إضافةً إلى العلاج الطبي، من المهم تبني عادات يومية داعمة للطاقة، مثل ممارسة رياضة خفيفة، وشرب كميات كافية من الماء، وتجنب الكافيين بكميات مفرطة. يُساعد اتّباع هذه الخطوات في التخفيف من حدة تعبك الشهري مع مرور الوقت.
الخلاصة
لا يُعَدّ التعب خلال الدورة الشهرية دائمًا أمرًا طبيعيًا. وعيكِ بجسدك ومراقبتك للعوارض هي الخطوة الأولى لحماية صحتك. إذا لاحظتِ أن تعبك الشهري يتكرر بشدة أو يزداد سوءًا، لا تترددي في مراجعة الطبيب لإجراء التقييم المناسب. التشخيص المبكر يضمن علاجًا أسرع ويمنع المضاعفات. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفيّة الابتعاد عن ممارسة عن العادة السرية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن تجاهل العوارض الشديدة خطأ شائع بين النساء، خاصةً في ما يخص التعب الشهري، لأن الاعتياد على الألم والإرهاق يجعل الكثيرات يتعاملن معه كأنه جزء طبيعي من حياتهن. في حين أن الجسد يمتلك لغة خاصة يعبّر من خلالها عن الخلل أو النقص أو المرض، وهذه اللغة هي العوارض التي نشعر بها. وعندما يتم تجاهل هذه الإشارات أو تأجيل التعامل معها، يمكن أن تتفاقم المشاكل الصحية بصمت، لتتحوّل لاحقًا إلى حالات أكثر تعقيدًا تحتاج وقتًا أطول للعلاج. لهذا، أنصح كل امرأة بأن تصغي جيدًا إلى ما يقوله جسدها، وأن تمنح صحتها الجسدية والنفسية الأولوية المطلقة. فإجراء الفحص المبكر واستشارة الطبيب عند أي تغير غير مبرر ليسا رفاهية، بل هما أساس الوقاية وحماية المستقبل الصحي.