يُعتبَر النوم على البطن للحامل موضوعًا يثير القلق أحيانًا، هل هو آمن أم يُشكّل خطرًا على الجنين في الرحم؟ منذ بدء الحمل، تتساءلُ الكثير من النساء عن الوضعيات المثالية للنوم. لذا سنحاول في هذا المقال توضيح الحقائق العلمية المحققة، وما تقول به الدراسات الموثوقة، لنساعدك على اتخاذ قرار واعٍ.
سوف نتناول في هذا المقال: أولًا، ما المقصود بـ النوم على البطن للحامل ولماذا تثار المخاوف. ثانيًا، ما تقول به الدراسات العلمية الحديثة من المزايا والمخاطر. ثالثًا، في أي مراحل الحمل قد يكون النوم على البطن آمنًا أو غير مريح. رابعًا، البدائل التي توصي بها الأطباء لوضعيات النوم الأفضل. خامسًا، نصائح عملية لتعديل الوضعية إن رغبتِ في النوم على البطن.
مفهوم النوم على البطن للحامل ولماذا يُثار الجدل
في البداية، نعني بـ النوم على البطن للحامل أن تستلقي الحامل على بطنِها بحيث يكون الوجه متّجهًا نحو الأسفل، من دون الاستعانة بوسادات داعمة للبطن أو الحوض. هذه الوضعية قد تبدو مألوفة ومريحة لبعض النساء قبل الحمل، بل حتى خلال الأسابيع الأولى. حيث لا يكون حجم البطن قد تغيّر بشكل ملحوظ.
غير أنّ الجدل يبدأ عادةً مع بداية نمو الرحم وتضخّمه؛ إذ يزداد الشعور بالقلق من احتمالية أن يؤثّر الضغط المباشر على البطن في تدفّق الدم إلى الرحم أو في تغذية الجنين. فمع زيادة حجم الرحم، يمكن أن تضغط هذه الوضعية على العمود الفقري أو على الأوعية الدموية الرئيسة، مثل الوريد الأجوف السفلي، ما قد يؤدّي إلى انخفاض طفيف في تدفّق الدم نحو القلب والجنين. إضافةً إلى ذلك، قد تتسبّب الوضعية بشدّ عضلات الرقبة وأسفل الظهر. ما يؤدي إلى المعاناة من آلام مزمنة إذا استمرّت لفترات طويلة.
كما أنّ بعض النساء يذكرنَ شعورًا بضيق التنفّس، خصوصًا مع ازدياد حجم الرحم الذي يضغط على الحجاب الحاجز، ما يجعل تمدّد الرئتين أصعب. كذلك، قد يؤدي النوم بهذه الوضعية إلى إحساس بالحرقة في المعدة أو تفاقم الارتجاع الحمضي، وهي مشاكل شائعة في الحمل. لهذا السبب، يفضّل الأطباء عادة البحث عن وضعيات بديلة تمنح الحامل راحةً أكبر وتحافظ على تدفّق الدم المثالي نحو الجنين.
الدراسات العلمية: المزايا والمخاطر المثبتة
وفقًا لموقع Medical News Today، لا توجد أدلة تُظهر أن النوم على البطن للحامل في الأسابيع الأولى من الحمل يؤذي الجنين؛ لأن الجدار الرحمي والسلاسِل السائلية تحمي الجنين.
لكن مع تقدّم الحمل، يُصبح هذا النوم غير مريح غالبًا، وقد يُسبّب ألمًا في الظهر أو الرقبة، وربما يؤدّي لانخفاض في جودة النوم.
لا توجد دراسات قوية تُظهر أن النوم على البطن بعد منتصف الحمل يرفع من خطر الإجهاض أو تشوّهات. لكن هناك تخوفات من أن الوضعيات التي تضغط على الأوردة الكبرى أو الشرايين الرئيسية قد تؤثر على تروية الجنين.
مثلًا، النوم على الظهر في الثلث الأخير من الحمل مرتبط بزيادة خطر الولادة أيضًا بوزن منخفض أو تأخر نمو الجنين. وذلك لأن الرحم قد يضغط على الوريد الأجوف السفلي (inferior vena cava) ويقلل من تدفّق الدم.
مراحل الحمل: متى يكون النوم على البطن آمنًا ومتى غير مناسب
لمعرفة ما إذا كان النوم على البطن للحامل مناسبًا، لا بدّ من مراقبة مراحل الحمل:
- الثلث الأوّل من الحمل (1-12 أسبوعًا): في هذه المرحلة لا يكون البطن كبيرًا بعد، والنوم على البطن مقبول إذا كان مريحًا، ولا توجد دلائل قوية على ضرره للجنين.
- الثلث الثاني (حوالي 13-27 أسبوعًا): يبدأ البطن في النمو، والنوم على البطن قد يصبح مؤلمًا، يتسبب بإجهاد للعمود الفقري أو للرقبة، وربما مزيد من عدم الراحة في التنفّس أو حركة الأعضاء الداخلية. في هذه المرحلة، تُفضَّل الوضعيات الجانبية.
- الثلث الثالث (بعد حوالي 28 أسبوعًا): يصبح النوم على البطن عمليًا صعبًا جدًا، وغالبًا غير مريح. كما أن الدراسات تحذّر من النوم على الظهر في هذه المرحلة لما قد يسبّبه من ضغط على أوردة وشرايين مهمة. ممّا قد يؤثّر على وزْن الجنين أو نموّه.
بدائل موصى بها لوضعيات النوم الأفضل أثناء الحمل
حين لا يكون النوم على البطن مريحًا أو يُثار القلق، هناك بدائل تدور حول الأمان والراحة:
- النوم على الجانب، ويفضّل الجانب الأيسر قدر الإمكان، لأنه يعزّز تدفّق الدم إلى الرحم والكبد والكليتين، ويقلّل الضغط على الأوردة الكبرى.
- استخدام وسادة دعم تحت البطن، أو بين الركبتين، لتعزيز الراحة وتقليل الضغط على العمود الفقري.
- رفع الجذع قليلًا إذا كانت هناك مشاكل في التنفّس أو ارتجاع مريئي (Reflux)، باستخدام وسائد خلف الظهر.
- تبديل الوضعيات خلال الليل إذا أحسستِ بعدم الراحة؛ ليس ضروريًا أن تبقي طوال الليل على وضعية واحدة. الجسم غالبًا ما يتحرك تلقائيًا. هذا مفيد لتحسين الدورة الدموية وتخفيف الضغوط.
نصائح عملية إن رغبتِ النوم على البطن أو تواجهين صعوبة التغيير
في حال كانت لديك رغبة قوية في النوم على البطن أو كنت معتادة عليه، إليك بعض النصائح التي قد تساعدك:
- اختاري فرشة سرير متينة قليلًا لكن مرنة، لتقليل الضغط على البطن والظهر.
- استخدمي وسادة صغيرة تحت الحوض والبطن لدعم البطن، وإبقاء الوزن موزّعًا بشكل أفضل.
- لا تختاري هذه الوضعية لفترات طويلة؛ إذا شعرتِ بعدم الراحة، تحوّلي إلى الجانب فورًا.
- ارتدي ملابس نوم مريحة غير مشدودة لتجنّب الضغط على البطن.
- تأكدي من جودة النوم: كمية كافية، تجنّب تناول وجبات كبيرة قبل النوم، وضبط درجة حرارة الغرفة لتخفيف الحرّ والإجهاد.
الخلاصة
بناءً على الأدلة العلمية المتوفّرة، النوم على البطن للحامل لا يبدو ضارًا للجنين في المراحل المبكرة من الحمل إذا كان الوضع مريحًا، وذلك بفضل حماية الجنين بالسائل الأمّيّ وبالرحم. لكن مع تطوّر الحمل ونموّ البطن، تصبح هذه الوضعية غير عمليّة وغير مريحة، وقد تُرافقها مخاطر متعلّقة بالضغط على الأوعية الدموية وتقليل تدفّق الدم لمنطقة الرحم. ممّا قد يؤثّر على وزن الجنين أو على شعور الحامل بالراحة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ خطوات يومية بسيطة تضمن لكِ سلامة جنينك وتبعد عنكِ كلّ المخاطر.
لذلك، تُعتبر الوضعيات الجانبية، وخصوصًا الجانب الأيسر، البديل الأفضل في الثلث الثاني والثالث. ويمكن للمرأة أن تستخدم الوسائد والتعديلات البسيطة لتخفيف الضغط، وضمان راحةٍ أكبر وصحة أفضل لها ولجنينها.
