تظهر علامات انقطاع الطمث غالبًا بعد سن الأربعين، لكنها قد تبدأ أحيانًا قبل ذلك. تشعر بعض النساء بتغيّرات مفاجئة في الجسم والمزاج من دون معرفة السبب. تتكرر الهبّات الساخنة والتعرّق الليلي، وتتغير الدورة الشهرية، وتظهر عوارض قد تكون غامضة في البداية. لكنّها في الحقيقة إشارات مبكرة لما يُعرف بـ “المرحلة الانتقالية” قبل انقطاع الطمث.
في هذا المقال، سنكشف لكِ بدقّة علامات انقطاع الطمث، وأهم التغيرات الجسدية والنفسية التي قد تواجهينها. كما سنشرح الأسباب العلمية خلف كل علامة، ونقدّم لكِ خطوات عملية للتعامل مع هذه المرحلة بوعي واطمئنان.
اضطرابات الدورة الشهرية
غالبًا ما تبدأ علامات انقطاع الطمث بحدوث خلل في انتظام الدورة. في هذه المرحلة، قد تصبح الدورة أطول أو أقصر، أو قد يتغير تدفق الدم من شهر لآخر. هذا التغير ينتج عن انخفاض تدريجي في هرموني الإستروجين والبروجستيرون، وهما المسؤولان عن تنظيم التبويض والطمث.

وفقًا لما نشره North American Menopause Society (2022)، يُعَدّ عدم انتظام الدورة الشهرية المؤشر الأول على اقتراب الانقطاع. ومن المهم تتبّع هذه التغيّرات من خلال تطبيقات أو ملاحظات يومية، لأنّ المراقبة المستمرة تُساعدكِ على التنبّه لأي خلل هرموني آخر.
الهبّات الساخنة والتعرّق الليلي
تشكو أكثر من ٧٥٪ من النساء من الهبّات الساخنة خلال مرحلة ما قبل انقطاع الطمث، كما أشارت دراسة نشرتها مجلة Menopause Matters (2021). تبدأ هذه النوبات فجأة، وتشعرين بحرارة عالية في الوجه والصدر، يليها تعرّق شديد، خصوصًا أثناء الليل.
تحدث هذه الحال بسبب تأثير انخفاض الإستروجين على مركز تنظيم الحرارة في الدماغ. لحسن الحظ، يمكن التخفيف منها عبر تعديل نمط الحياة، مثل تجنّب الكافيين، وتقليل الشعور بالتوتر، وارتداء ملابس قطنية خفيفة أثناء النوم.
تغيّرات في المزاج والنوم
لا تتوقّف علامات انقطاع الطمث عند الجانب الجسدي فقط، بل تمتد إلى الصحة النفسية. تشعر كثير من النساء بتقلّبات مزاجية، وقلق غير مبرر، ونوبات من الحزن أو الانفعال. أحيانًا، يصعب النوم أو يتكرر الاستيقاظ الليلي.

تؤكّد الأبحاث الحديثة في Journal of Women’s Health (2020) أنّ هذه التغيرات ترتبط بانخفاض السيروتونين، وهو ناقل عصبي يتأثر مباشرة بانخفاض الإستروجين. لذلك، من المفيد ممارسة الرياضة المعتدلة، والحفاظ على روتين نوم منتظم، وتناول وجبات غنية بالمغنيسيوم والتريبتوفان.
جفاف المهبل وتراجع الرغبة الجنسية
من أبرز علامات انقطاع الطمث التي تؤثر على جودة الحياة الزوجية، هي جفاف المهبل. يؤدّي هذا العرض إلى الشعور بالألم أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، مما قد يؤثر على الثقة بالنفس والرغبة الجنسية.
هذا الجفاف ناتج عن ضعف الدورة الدموية في أنسجة المهبل بسبب تراجع الهرمونات الأنثوية. وفقًا لتوصيات The American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG)، يُمكن استخدام مرطّبات مهبلية خالية من العطور، واستشارة الطبيبة حول العلاجات الهرمونية الموضعية.
تراجع الكتلة العضلية وزيادة الوزن
تلاحظ كثير من النساء تراكم الدهون حول البطن، خاصّةً في المرحلة المتقدمة من ما قبل انقطاع الطمث. ويرتبط هذا التغيير بخسارة الكتلة العضلية، وارتفاع مقاومة الإنسولين. ممّا يجعل الجسم يخزّن الدهون بسهولة أكبر.
توصي دراسة في The Lancet (2023) بالجمع بين ممارسة تمارين القوة والحصول على التغذية الصحية للمساعدة في الحفاظ على الكتلة العضلية. كذلك، يُنصح بتناول البروتين النباتي، والابتعاد عن السكريات السريعة.
مشاكل في التركيز والذاكرة
من العلامات التي تُقلق النساء كثيرًا هي صعوبة التركيز والنسيان المتكرر. لكن لا داعي للذعر، فهذه العوارض غالبًا ما تكون مؤقتة وتزول عند استقرار التوازن الهرموني.

بحسب مراجعة علمية في Neuroscience & Biobehavioral Reviews (2021)، فإنّ مواجهة هذه المشاكل ناتجة عن تقلّبات هرمونية تؤثر على التواصل العصبي في الدماغ. تُساهم القراءة، والألعاب الذهنية، والحصول على القسط الكافي من النوم بشكل كبير في الحدّ من هذا التراجع المؤقت.
متى يجب استشارة الطبيبة؟
عند ملاحظة ظهور علامات انقطاع الطمث بشكلٍ متكرّر أو حاد، يُفضّل اللجوء إلى استشارة طبيبة نسائية مختصّة. خصوصًا إذا ترافق الأمر مع نزيف غير معتاد، أو اكتئاب حاد، أو آلام مفصلية مزعجة.
ستُجري الطبيبة الفحوصات اللازمة، مثل تحليل FSH (الهرمون المنبّه للجريبات)، للتأكّد من المرحلة التي تمرّين بها، وتقديم نصائح علاجية مناسبة لحالكِ.
لا تُعَدّ علامات انقطاع الطمث نهاية لأنوثتكِ، بل بداية لمرحلة جديدة تتطلب وعيًا وتقبّلًا وتفهّمًا لتغيّرات الجسم. بمجرّد فهمكِ لما يحدث داخلكِ، ستشعرين بطمأنينة أكبر، وستكونين قادرة على الاعتناء بنفسكِ بذكاء وثقة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن كيفيّة التعامل مع سن اليأس عند المرأة المتزوجة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أنّ كل امرأة تمرّ بهذه المرحلة تستحقّ أن تفهم جسدها بعمق، من دون خجل أو تردّد. تُشكّل هذه العلامات، رغم صعوبتها، نقطة تحوّل نحو نضج صحي وإنساني. أنصح كل امرأة أن تُنصت لجسدها، وأن تطلب المساعدة حين تحتاج، وأن تعتبر هذه المرحلة فرصة لتجديد علاقتها بنفسها، ولإعادة ترتيب أولوياتها الصحية والعاطفية. لا يُعَدّ انقطاع الطمث مرضًا، بل انتقال طبيعي يجب أن يُحتفى به بوعي وقوة.