تُعدّ أول سنة زواج من أكثر المراحل حساسية في حياة أي زوجين. في هذه الفترة، يتقاطع الحب مع التحديات اليومية، وتظهر الحقيقة خلف الرومانسية. خلال الأشهر الأولى، يتعرّف الشريكان على بعضهما بعمق جديد، فتتغيّر الديناميكيات بينهما بسرعة، وقد تنشأ خلافات لم تكن في الحسبان. من هنا، يسأل الكثيرون: هل أول سنة زواج هي شهر عسل مستمر، أم اختبار حقيقي للأعصاب والقدرة على التكيّف؟
من جهة أخرى، سنعرض في هذا المقال خطة متكاملة لفهم ما يحدث خلال أول سنة زواج، عبر خمس محاور أساسية. سنتناول طبيعة التغيرات النفسية، وأبرز الأسباب التي تؤدي إلى الشعور بالتوتر. إضافةً إلى تقديم نصائح علمية لتقوية العلاقة.
١- التغيرات النفسية في أول سنة زواج
في البداية، من المهم أن نعلم أنّ أول سنة زواج تتّسم بتقلبات نفسية متعددة. بعد الزواج، تبدأ المسؤوليات الحقيقية، وتتغير الأولويات. يشعر العديد من الأزواج بنوع من الضغط النفسي بسبب التوقعات العالية، سواء من الشريك أو من المجتمع والعائلة.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة نُشرت في Journal of Marriage and Family أن أكثر من 50% من الأزواج الجدد يمرّون بمرحلة من التوتر النفسي خلال الأشهر الستة الأولى (Lavner et al., 2012). السبب الأساسي هو الانتقال السريع من مرحلة المشاعر إلى واقع العيش المشترك.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني البعض من “صدمة التوقعات”، حيث تختلف الحياة الزوجية الواقعية عن الصورة المثالية التي كوّنوها سابقًا. لذلك، تظهر الحاجة الماسّة إلى تقبل التغيرات، وإعادة ضبط التوقعات بشكل واقعي.
٢- التحديات اليومية واختبار الصبر
ثمّة تحديات يومية قد لا تكون كبيرة في ذاتها، لكنها تكرّر نفسها، مما يجعلها مصدرًا مستمرًا للتوتر. تبدأ الأمور البسيطة، مثل توزيع المهام المنزلية أو طريقة الإنفاق، بالتأثير على العلاقة إذا لم يُتّفق عليها بوضوح.
علاوةً على ذلك، قد يواجه الشريكان صعوبة في التكيف مع العادات الجديدة. فعلى سبيل المثال، قد ينزعج أحد الطرفين من قلة النظام، أو من اختلاف نمط الحياة، مثل النوم في أوقات متأخرة أو استعمال الهاتف المفرط.
في هذا السياق، تؤكد الأبحاث أن القدرة على التواصل الفعّال تؤدّي دورًا أساسيًا في اجتياز هذه المرحلة. وفقًا لدراسة أجرتها American Psychological Association، فإن الأزواج الذين يملكون مهارات تواصل جيدة ينجحون في التعامل مع الضغوط اليومية بشكل أفضل بنسبة 70% مقارنة بغيرهم (APA, 2020).
٣- العلاقة الحميمة
لا شك أن العلاقة الحميمة تشكل جزءًا محوريًا في أول سنة زواج، إلا أن الكثير من الأزواج يجدون صعوبة في تحقيق التوازن بين الرغبة والتوقعات. في كثير من الأحيان، يواجه الشريكان فجوة في التعبير أو اختلافًا في التفضيلات.
كذلك، قد تؤدّي العوامل النفسية دورًا كبيرًا، مثل الشعور بالقلق والتوتر أو الخجل أو حتى الشعور بالضغط لإنجاح العلاقة. لذلك، من الضروري التحدث بصراحة واحترام، والتعامل مع هذا الجانب كرحلة تعلم مشتركة.
في دراسة نُشرت في Journal of Sex Research، تبين أن الانفتاح في الحديث عن الرغبات والاحتياجات الجنسية يزيد من الرضا الزوجي بنسبة تصل إلى 80%، خصوصًا في السنة الأولى (Byers & Demmons, 1999).
٤- كيف نجعل أول سنة زواج ناجحة؟
أولًا، لا بد من تعزيز الوعي بأن الاختلاف طبيعي. من الضروري أن يقبل كل طرف أن الشريك ليس نسخة منه، بل شخصية مختلفة تحتاج إلى مساحة واحترام.
ثانيًا، يؤدّي تنظيم الوقت دورًا كبيرًا في تقوية العلاقة. فكلما خصّص الشريكان وقتًا للحوار والأنشطة المشتركة، كلما قلّت فرص التوتر وسوء الفهم. كما أن تحديد أولويات واضحة، مثل الميزانية أو الأهداف المستقبلية، يمنع الكثير من الخلافات.
ثالثًا، يُنصَح بالاستفادة من الدعم الخارجي عند الحاجة، سواء من خلال الخضوع لجلسات استشارية أو قراءة كتب علمية موثوقة. وأخيرًا، يجب ألا ينسى الشريكان الجانب العاطفي، مثل الإطراء، واللمسات البسيطة، والمفاجآت، لأنها تعيد إشعال شرارة العلاقة.
٥- هل هي فعلًا سنة اختبار أم بداية استقرار؟
في النهاية، نعود إلى السؤال الرئيسي: هل تُعدّ أول سنة زواج شهر عسل أم اختبار أعصاب؟ الجواب لا يكون موحدًا، بل يختلف حسب استعداد الشريكين للتعامل مع التحديات. من ناحية، قد تكون سنة مرهقة نفسيًا وذهنيًا، لكنها في الوقت نفسه، تحمل فرصًا عظيمة لبناء أساس قوي يدوم لسنوات.
بالمقابل، تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأزواج الذين يتجاوزون السنة الأولى بنجاح، تقل لديهم نسبة الطلاق في السنوات التالية بنسبة تفوق 40%، بحسب دراسة من Institute for Family Studies.
الخلاصة
نستنتج من كل ما سبق أن أول سنة زواج لا يمكن حصرها في قالب واحد. فبعض الأزواج يعيشون شهر عسل ممتدًا، بينما يواجه آخرون اختبارات معقدة. في كل الحالات، تبقى القدرة على التأقلم، والتفاهم، والصبر هي العناصر الأساسية للعبور السليم نحو حياة زوجية مستقرة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ لماذا يخاف الشركاء من طلب الراحة؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن أول سنة زواج تمثّل مرحلة بناء حقيقية، لا مجرد اختبار. فيها نكتشف أنفسنا، ونتعلّم كيف نحب بوعي، لا بعاطفة فقط. ومن خلال القراءة المتعمقة والتجارب الواقعية، أؤمن أن سرّ النجاح يكمن في التفاصيل الصغيرة، في القدرة على الإصغاء قبل الرد، والعطاء قبل الطلب. فمن ينجح في هذه السنة، يفتح الباب أمام حياة مليئة بالدفء والاحترام والشراكة الصادقة.
